۹۵۱مشاهدات
رمز الخبر: ۳۴۸۱۱
تأريخ النشر: 08 April 2017
شبکة تابناک الاخبارية: لا شك في أن أميركا فقدت الكثير من أوراقها في المنطقة. وهو ما ينطبق على الأزمة السورية. ففي ظل ضعفٍ ميداني لحلفائها، وتراجعٍ سياسيٍ في الخيارات، يبدو أن واشنطن قررت العودة من بوابة السلاح الكيميائي. وهنا فإن استنكار ما جرى من هجومٍ كيميائي هو أمر مطلوب. كما أن التحقيق في ذلك مطلوبٌ أيضاً. لكن العمل على تحميل الدولة السورية مسؤولية ذلك واعتباره مُبرراً لخطوة أميركية عسكرية، هو من الأمور التي تحتاج للوقوف عندها، خصوصاً بعد الصواريخ التي استهدفت سوريا بالأمس. في حين ينتظر الجميع ما قد تؤول إليه الأمور، خصوصاً بعد بروز معلومات تُشير الى وجود سخَط روسي إيراني من الضربة الأميركية، وتنسيق للجهود بينهم وبين الدولة السورية في محاولة لدراسة الوضع وتقييمه. فما هي الأسباب التي دفعت واشنطن لهذه الخطوة العسكرية؟ وكيف يمكن تقييم الخيارات المستقبلية بموضوعية؟

لماذا قامت واشنطن بالخطوة العسكرية؟

عدة أسباب يمكن أخذها بعين الإعتبار، والتي تدل على الأهداف التي أرادت واشنطن تحقيقها من خلال الضربة. سنُشير إليها مع الأخذ بعين الإعتبار دلالاتها فيما يلي:

أولاً: سعت واشنطن لمواجهة الضغط الإعلامي والذي طالها كدولة كبرى من قِبل المنظمات الأممية، كنتيجة للهجوم الكيميائي الذي حصل في سوريا. وهو ما دفع أميركا للقيام بهذه الخطوة، لتَظهَر وكأنها قامت بردة فعل لا تنتقص من مكانتها الدولية وقدرتها على الحفاظ على صورتها الإنسانية! لكن ذلك أبرز حجم التخبط الذي تعيشه واشنطن، خصوصاً في ظل اعلان ترامب مُسبقاً أن استراتيجيته في سوريا ليست قائمة على العمل العسكري المباشر.

ثانياً: أبرزت مواقف ترامب التي سبقت الضربة تناقضاً في النظرة الأميركية تجاه الرئيس الأسد الذي كان يعتبره ترامب حتى الأمس القريب جزءً من الحل في سوريا. في حين أكد الرئيس الأميركي خلال لقائه مع الملك الأردني  أن موقفه ونظرته تجاه الرئيس الأسد تغيرت كثيراً بعد الهجوم الكيميائي المزعوم. مما أظهر حجم التناقض والإضطراب الذي تعانيه الإدارة الأميركية الجديدة في ظل الوضع المُعقَّد لملفات الشرق الأوسط لا سيما العراق وسوريا.

ثالثاً: جاءت الضربة كرد فعل معنوي وتضامن ضمني مع مواقف الأنظمة العربية التي لا تزال تعتبر النظام السوري عدواً لها! كما يمكن إعتبار العمل العسكري الأميركي بادرة إرضاء من قِبَل واشنطن للكيان الإسرائيلي، ومحاولة لإعادة الإعتبار له، خصوصاً أن الضربة استهدفت قاعدة جوية. في وقت لا تزال تعيش تل أبيب تحت وطأة معادلات الردع الجديدة التي فرضتها الدولة السورية مؤخراً بعد ردها على العدوان الإسرائيلي.

رابعاً: أكدت الضربة استمرار رهان أميركا على الإرهاب في سوريا، حيث ان القاعدة المستهدفة تُعتبر المنطلق العسكري للعمليات الروسية السورية المشتركة للحرب على الإرهابيين. ما يعني زيف ادعاءات واشنطن في حربها ضد الإرهاب، واستمرار رهانها على ورقة الجماعات الإرهابية في سوريا لا سيما بعد فشل ورقة الأكراد في التأثير الميداني، وقبلها ورقة الحليف التركي.

خامساً: سعت واشنطن ومن خلال قصفها لإبراز حضورها الدولي في الشرق الأوسط، وذلك مُقابل الحضور الروسي. وهو ما يجب أخذه بعين الإعتبار. فيما يُروِّج الإعلام الأميركي لوجود تنسيق أميركي روسي سبق الضربة، وهو ما تُشير المعلومات الى أنه عارٍ عن الصحة. فيما الهدف منه الإيقاع بين الحليفين الروسي والسوري.

أميركا بين العقلانية والتهور: تقييم الخيارات المستقبلية وفق حسابات الربح والخسارة!

على إعتبار أن الخيارات المستقبلية المطروحة تُعبِّر عن التوجهات المُحتملة، يجب الإشارة لعدة نقاط تتعلق بنتائج الضربة وما يُمكن ان يحصل مستقبلاً. وهو ما نشير لها في التالي:

أولاً: إن الخطوة المنطقية والمباشرة، في ظل ما جرى، والتي تتعلق بالهجوم الكيميائي، تتطلَّب إجراء تحقيق شفاف لتحديد المسؤول عن جريمة الهجوم الكيميائي. خصوصاً أن هناك العديد من الأطراف التي ترغب باللعب على آفاق الحل السياسي ومنعه من النجاح. هذا إذا أردنا الحديث بشكل موضوعي بعيداً عن الدفاع عن أي طرف.

ثانياً: لا يمكن تجاهل التصريحات والحقائق التي خرجت عن منظمة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول أنه لا دلائل على أن ما جرى في إدلب هو نتيجة لغارة جوية. وهنا فإن عدة أسئلة يمكن طرحها حول إصرار الخطاب الغربي وتحديداً الأميركي على تحميل الدولة السورية المسؤولية، مما قد يعني بشكل غير مباشر وجود نية لإفتعال أزمة مع النظام السوري عبر خلق مُبررات باتت واضحة الأهداف والدلالات. وهو ما أثبتته الضربة، والتي جاءت لتؤكد أن كل الترويج الإعلامي الذي سبق والمُتعلق بالهجوم الكيميائي وإتهام النظام السوري به، هدف لإيجاد مُبرِّر للخطوة الأمريكية.

ثالثاً: إن خطوة أميركا العسكرية واستمرارها في التصعيد، هي أمر غير مُبرر وإستغلال لحقوق الشعب السوري. هذا ناهيك عن أن هكذا خيار سيجلب نتائج تُعقِّد طبيعة الصراع الدولي والإقليمي حول سوريا، وبالتالي سيصعب التوصل الى حلول يمكن تحقيقها من خلال الخيارات السياسية. خصوصاً في ظل معلومات تُشير لوجود تنسيق عسكري بين الأطراف روسيا، إيران وسوريا، لقراءة تداعيات الضربة وكيفية مواجهة ذلك!

رابعاً: إن من يحاول إعادة الأزمة السورية الى ما قبل عام 2012، عليه الإلتفات الى أن الوضع الميداني في سوريا اليوم، يختلف كثيراً عن تلك الفترة، حيث استعادت الدولة السورية الكثير من نقاط الميدان، وبات من الصعب تحقيق أي نصر ضد الجيش في ظل وجود دعم واضح من قبل روسيا وإيران بناءً على إتفاقية التعاون العسكري بينهم وبين الدولة السورية. وهو ما يعني أن أي خيار سيكون له عواقب وخيمة إقليمياً ودولياً.

خامساً: ينمُّ التعاطي الأميركي مع الوضع الحالي في سوريا، عن ضعف في قراءة الوضع السوري ومحاولة في التغطية على فشل الرهانات لا سيما على الحلفاء. فيما يمكن ملاحظة حجم الفرح الذي ساد الأبواق الإعلامية التابعة لبعض الأنظمة العربية، بعد الضربة الأميركية، ما يُعزز التحليل الذي أوردناه والمتعلق بهدف أميركا إعادة بعد الآمال لحلفائها العرب في المنطقة بالإضافة الى تركيا التي رحَّبت بالخطوة.

إذن، تسعى واشنطن كعادتها لإظهار نفسها حريصة على مصالح شعوب المنطقة. واليوم، تعيش سوريا نتائج الفشل الأميركي في المنطقة. وعندما باتت واشنطن مُفلسة في رهاناتها تجاه الأزمة السورية، خرجت لتُعيد تحريك ورقة السلاح الكيميائي، والتي تبيَّن اليوم أنها مُفتعلة لتبرير الخطوة العسكرية الأميركية تجاه سوريا. في حين لا يعني ذلك تراجع الخيارات السياسية، حيث يمكن أن تستثمر أميركا خطوتها العسكرية في ذلك. هذه هي القصة الحقيقية للتصعيد الأميركي العسكري في سوريا.

المصدر: الوقت
رایکم
آخرالاخبار