۶۵۱مشاهدات
رمز الخبر: ۳۳۵۷۹
تأريخ النشر: 02 November 2016
شبکة تابناک الاخبارية - شفقنا : لم يكن وصول ميشال عون الي رئاسة الحكومة امرا يسيرا . فالرجل يعتبر من خارج المنظومة السياسية التي حكمت لبنان منذ عقود طويلة .

لا ينتمي ميشال عون الي عائلة سياسية اقطاعية كما هو حال الكثير من السياسيين اللبنانيين الذين ورثوا العمل السياسي ابا عن جد ولا هو من اصحاب الاموال الذين ساهمت ثرواتهم بارتقائهم السلم السياسي .صحيح ان الحرب الاهلية اللبنانية احدثت تغييرات علي هذا المستوي وسمحت لجيل جديد من السياسيين بتبؤ مواقع سياسية اساسية الا ان تلك الفترة شهدت خسارة كبيرة لميشال عون .

خسارة ستترك اثرها علي مجمل مسارلات الوطن الصغير كما علي حياة الرجل نفسها .
 
في الواقع يمكن القول ان قائد الجيش اللبناني انذاك كان اول وابرز الخاسرين عند انتهاء الحرب الاهلية لدرجة اعتقد فيها الكثيرون انه انتهي سياسيا ولن تسمح له الظروف القيام باي دور سياسي وطني . ففي تشرين الاول 1990 قام الجيش السوري الذي كان متواجدا انذاك في لبنان بعملية عسكرية انهت ما عرف بظاهرة عون الذي اطلق حربا اسماها التحرير بهدف اخراج الجيش السوري من لبنان بعد دخوله اليه بطلب لبناني عربي في العام 1976 .
 
هناك الكثير من القراءات والتحليلات والتفسيرات لتلك المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان الا ان ما اصبح شبه محسوم ان ما جري كان قرارا دوليا اقليميا بانهاء الحرب الاهلية اللبنانية نتيجة دخول المنطقة مرحلة جديدة وحساسة عنوانها غزو صدام حسين للعراق والمشروع الاميركي لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي انطلاقا من مؤتمر مدريد الشهير .

لم تكن هذه الحرب الوحيدة التي خاضها ميشال عون. قبلها اعتبر ان القضاء علي الميليشات المسيحية في المنطقة الشرقية المسيحية من بيروت امرا ضروريا لتستوي الامور ولتصبح المبادرة بيد الجيش اللبناني . انطلاقا من هذا المبدا خاض عون معارك طويلة ومكلفة ضد ميليشيات القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع .عرفت تلك المعارك بحروب الالغاء .

اللافت ان عون حظي وقتها بتأييد مسيحي شعبي غير مسبوق . اعتبر المسيحيون انهم عثروا في عون علي ضالتهم او القائد الذي سيقودهم .وصلت ظاهرة ميشال عون الي درجة قلبت الرأي العام المسيحي سلبا تجاه كل المكونات السياسية والعسكرية المسيحية مثل القوات وال شمعون وال الجميل ووصلت الامور الي حد تفضيل المسيحيين لعون علي حساب الكنيسة وممثلها انذاك البطريرك نصر الله بطرس صفير .

الخسارة العسكرية لعون لا يمكن فصلها عن موقف اخر اتخذه ميشال عون وهو رفضه لاتفاق الطائف . كان الرجل من الاطراف القليلة التي رفضت الاتفاق الذي كان تعبيرا امينا عن لبنان الجديد وفق ما تقتضيه التسوية الاقليمية الدولية .

اعتبر المسيحيون وعلي رأسهم عون ان الاتفاق كان ترجمة لغلبة المسلمين علي المسيحيين . بدليل ان الطائف قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي لصالح مجلس الوزراء الذي يرأسه مسلم سني . ذهب الكثير من المحلليين الي حد الكلام ان ما جري كان نهاية لبنان المسيحي الذي انشأه الفرنسيون عام 1920 كبلد للاقلية المسيحية وسط بحر من المسلمين يعيشون في المنطقة العربية .

في الحقيقة ، ان هذه المقولة ستبقي حاضرة في الحياة السياسية اللبنانية حتي بعد مغادرة عون للبنان منفيا الي فرنسا . فقد توجه الرجل بعد احداث 13 تشرين الاول الي السفارة الفرنسية واقام هناك حوالي السنة الي حين صدور عفو في 27 اب 1991 سهل مغادرته لبنان منفيا فاقام في فرنسا ولم يعد الا في 7 ايار 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري.

لا شك ان هذا التاريخ كان مفصليا في لبنان . منذ وصوله اعتمد الرجل خطابا جديدا ومختلفا عن السائد لدي الطبقة السياسية التقليدية ما اظهر حجما كبيرا من المعارضة له الي حد عزله في الانتخابات النيابية التي حصلت في العام 2005 والتي حقق فيها نصرا كبيرا جعله الممثل الاقوي للمسيحيين في المجلس النيابي .

وقد ركز في خطابه علي عنوانين بارزين الاول مكافحة الفساد المستشري في بنية الدولة اللبنانية اضافة الي حقوق المسيحيين .
 
اصبح هذان العنوانان العمل اليومي لتيار عون ومن اجلهما خاض معارك سياسية طاحنة استمرت حتي اليوم .
 
الا ان المحطة الابرز كان الالتقاء بين التيار الوطني الحر من جهة وحزب الله من جهة اخري.
 
فبعد لقاءات ونقاشات طويلة بين لجنتين من الطرفين وقع عون والامين العام لحزبالله السيد حسن نصر الله اتفاقا عرف بورقة التفاهم في كنيسة مار مخايل . الورقة التي تضمنت توافق الطرفين حول عشر نقاط محددة تحولت الي ابرز اتفاق عرفه لبنان منذ العام 2005 سواء بين المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة اخري او بين تيارين او حزبين لبنانيين بدا في مرحلة ما انهما علي طرفي نقيض , والحق يقال ان هذا الاتفاق سيفرض نفسه علي مجمل المشهد اللبناني شعبيا وسياسيا وسيكون له الاثر الكبير في مجمل المحطات وصولا الي المحطة الاخيرة المتمثلة بالانتخابات الرئاسية .

استطاع الاتفاق ان يزيل حواجز نفسية واجتماعية ساهمت الحرب الاهلية بانتصابها بين المكون الشيعي من جهة والمكون المسيحي من جهة ثانية كما اسس لحلف سياسي استطاع ان يصمد في احلك المحطات . حرب تموز 2006 احداها . لم يرضخ عون وقتها لكل حملات الترهيب والترغيب التي مورست عليه من اطراف عديدة محلية ودولية لفك ارتباطه بحزب الله . وظل متمسكا بعلاقته بحزب المقاومة ما دفع الامين العام للحزب للحديث عن دين لعون في رقبته حتي يوم الدين .

تحولت العلاقة بين ميشال عون ابن حارة حريك والمولود فيها والذي قضي ايام طفولته وصباه في احيائها وامين عام حزب الله الذي اتخذ من المنطقة نفسها مقرا لحزبه الي علاقة استراتيجية ، ذهب عون الي حد وصفها بالوجودية .كما ان قائد الجيش الاسبق استمر في نفس المسار عند بداية الحراك العربي وخاصة في سوريا. لم ينجرف الجنرال مع الرهانات التي سادت حول سقوط النظام في سوريا ولم يتخذ المواقف الحادة من دخول حزب الله الي سوريا .بدوره تمسك حزب الله بعون كمرشح لرئاسة الجمهورية منذ اليوم الاول . لم يشأ الحزب تكرار تجربة وصول الرئيس ميشال سليمان الذي بدأ رئاسته وسطيا وتوافقيا بعد اتفاق الدوحة الشهير العام 2008 ولكنه انتهي رئيسا محسوبا علي طرف دون اخر .

اثمر موقف حزب الله الثابت من ترشيح عون تبني معظم الاطراف لهذا الترشيح.وما كان يروج له علي انه مستحيل اصبح حقيقة .

ميشال عون ، الرجل الطموح المولود عام 1932 من جذور اجتماعية بسيطة والذي نشأ بين المسلمين في حي حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية وصاحب التجربة الطويلة والعميقة في الجيش اللبناني الذي تولي قيادته عام 1984 والذي عين رئيسا للحكومة العسكرية بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل في العام 1988 والذي عاش مختلف مراحل الحرب والذي عرف عنه التعاطي الوطني وبدون تمييز مع الجنود والضباط من مختلف الديانات اصبح رئيسا للجمهورية اللبنانية وذلك بعد معارضة قوية وعلنية من المملكة العربية السعودية ورفض اميركي اقل وقاحة .

مرحلة جديدة يعيشها لبنان في ظل رئاسة عون . فكيف سيكون لبنان في عهد الرئيس الثالث عشر و رابع قائد للجيش يصل الي سدة الرئاسة ( فؤاد شهاب عام 1958 واميل لحود عام 1998 وميشال سليمان عام 2008 ) . مع الاشارة الي ان في التجارب السابقة.

كانت الامال مرتفعة عند اللبنانيين ببناء الدولة فهناك شبه اجماع ان فؤاد شهاب بني مؤسسات الدولة وان اميل لحود حاول بناء الدولة كما بني الجيش بعد الحرب الاهلية . فماذا سيجني اللبنانيون في ظل رئاسة رجل شجاع وجريء لم يعرف عنه التراجع والتردد وهو من ردد مرارا وتكرارا : يبستطيع العالم ان يسحقني ولكنه لن يأخذ توقيعي .

الايام والاسابيع والسنوات الست المقبلة ستكون حبلي بالاجوبة والدلالات والمعاني .
رایکم
آخرالاخبار