۳۳۰مشاهدات
ولابد أن يثير انتباهنا في هذا الصدد أن هناك جدلا مستمرا في مصر حول تمويل منظمات المجتمع المدني، إلا أن هناك سكوتا مدهشا على تمويل المؤسسات الإعلامية والبحثية.
رمز الخبر: ۲۹۹۶۲
تأريخ النشر: 09 November 2015
شبکة تابناک الاخبارية: عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي مواليد 19 نوفمبر 1954، وهو حاليا رئيس جمهورية مصر. وصل إلی سدة الحکم عن طریق إنقلاب عسکري مدعوم من قبل المملکة العربية السعودية وعلی هذا الأساس کثیرا من المصریین لا یعترفون به ویعتبرونه طاغیة بدا من الرئیس.

قبل حوالی أسبوعین غضب السیسي من أحد البرامج التلفزیونیة بسبب إنتقاده وعلی هذا الأساس إتخذ بعض القرارات ضد القناة التي بثت الحلقة.

علی هذا الصعيد کتب الأستاذ والصحفي الشهير فهمي هویدي مقالا حول هذا الموضوع جاء فیها:

منذ أن عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي عن غضبه لانتقاده في أحد البرامج التلفزيونية، أصبحت مناقشة أزمة الإعلام عنوانا شبه ثابت في الصحف المصرية.

ورغم أن المناقشة لم تكن جديدة تماما، إلا أن الملف فتح على مصراعيه بعد الإشارة الرئاسية، إذ أدلى كل صاحب رأي بدلوه فيه.

فقرأنا عن قصور التشريعات وإعادة هيكلة الإعلام وميثاق الشرف الإعلامي ودور النقابة والمجلس الأعلى للصحافة.

وتطرقت المناقشة إلى دخول رجال الأعمال إلى المهمة وتدهور مستوى الإعلاميين..إلخ.

ليس لدي تحفظ على فكرة الأزمة التي يعاني منها الإعلام المصري، وأزعم أن توصيفها على ذلك النحو مخفف إلى حد كبير، ذلك أنه إلى جانب الانتقادات الكثيرة التي توجه إلى أغلب منابره في الداخل، فإنه أصبح أكثر ما يسيء إلى مصر في الخارج.

ومن يشارك في أي أنشطة ثقافية أو غير ثقافية في أي مكان بالعالم العربي تصدمه الانطباعات التي يسمعها عن أداء وسمعة الإعلام المصري.

ولست أشك في أنني لست الوحيد الذي يرد على ما يسمعه بأن أغلب ما يقدمه الإعلام لا يعبر عن مصر. وإنما هو كاشف عن أسوأ ما فيها، لكني كنت أضيف أن الإعلام ليس ظالما فقط لكنه مظلوم أيضا. وهذه هي الملاحظة التي دفعتني إلى التطرق للموضوع.

أكرر أنه ليس لدي اعتراض على ما قيل في تشخيص الأزمة ولا في المقترحات التي ذكرت للتعامل معها. إلا أنني أعتبر أن ما لم يقل هو الأهم والأولى بالمناقشة.

ولتحرير هذه النقطة فإنني أدعو إلى التمييز بين الأسباب الأساسية والأسباب المهمة، كما أنني أدعو إلى التفرقة بين الأسباب والنتائج، ولإيضاح هذه النقطة فإنني ألفت الانتباه إلى خطورة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في العالم المعاصر، باعتبارها أكبر العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام.

عبر عن ذلك زيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي حين قال إن التلفزيون هزم الكنيسة في الولايات المتحدة، بمعنى أن تأثيره أصبح أكبر وأعمق في حياة الناس من التعاليم الدينية التي تبثها الكنيسة.

وإذا كان يخفف من ذلك في الدول الديمقراطية أن مجتمعاتها يتوافر لها قدر من الحيوية السياسية والكيانات المؤسسية التي لا تتيح للتلفزيون أن يحتكر توجيه الرأي العام، فإن الأمر مختلف إلى حد كبير في دول العالم الثالث خصوصا غير الديمقراطية منها.

فالبنية المجتمعية في تلك الدول تتسم بالهشاشة والحياة السياسية تعاني الفراغ. وفي حالات غير قليلة فإن نسبة الأمية عادة ما تكون مرتفعة، وهي العوامل التي تجعل التلفزيون أهم عنصر تأثير في المجتمع.

لا ننسى في هذا الصدد أن الأمريكيين حين قاموا بغزو العراق عام ٢٠٠٣ فإن الوحدات الغازية ضمت إعلاميين إلى جانب المقاتلين، وكانت مهمة الأولين هي تسويق فكرة «تحرير» العراق والخلاص من خطره وشروره لدى الرأي العام الأمريكي.

كما لا ننسى أن الإعلام الأمريكي كان له دوره في التمهيد للغزو من خلال إقناع الأمريكيين بخطورة الرئيس العراقي صدام حسين وحكاية أسلحة الدمار الشامل التي قيل إنه استحوذ عليها.

وهو الخداع الذي مورس لتبرير الغزو، واعتذرت عنه بعض الصحف الأمريكية لاحقا، حين تكشفت لها الحقيقة (صحيفة نيويورك تايمز مثلا).

الشاهد أن السياسة في كل مكان باتت تعول كثيرا على الإعلام في خطابها وتسويغ ممارساتها. وهذا التعويل صار مضاعفا وأخطر أثرا في المجتمعات غير الديمقراطية.

وفي هذه المجتمعات الأخيرة فإن السلطة باتت تدير المجتمع ــ وتقمعه أحيانا ــ من خلال الأمن والإعلام، ولكل منهما أذرعه ووسائله.

لهذا السبب تحديدا فإننا لا نستطيع في مصر أن نناقش قضية الإعلام بعيدا عن السياسة التي هي ضمن المصادر الأساسية للأزمة.

وهو ما يدفعني إلى القول بأننا قبل الدخول في الجوانب الفنية والتنظيمية التي هي مهمة لا ريب ينبغي أن نحرر طبيعة العلاقة بين السياسة والإعلام.

أكرر أنني لا أقلل من شأن تلك الجوانب لكنني أزعم أن إسهامها في الأزمة يأتي في المرتبة التالية لدور السياسة التي باتت تتعامل مع الإعلام باعتباره أحد منصاتها وأقوى أسلحتها المدنية.

وحين قلت إن الإعلام ظالم ومظلوم فقد اعتبرته ظالما لافتقاده إلى العوامل التي ذكرها الزملاء، ثم إنه مظلوم أيضا وأولا لأنه ضحية للسياسة التي تصر على الاستحواذ عليه وتوظيفه لخدمة أغراضها وتصفية حساباتها.

هذا العنصر الأخير على أهميته البالغة لم يأخذ حقه من النقاش، لأن الحديث عن دور السياسة يفتح ملفات عدة حساسة يتعلق بعضها بالاختراقات الأمنية واسعة النطاق (مصطلح الصحفيين الأمنجية بات شائعا في الوسط الإعلامي) وبعضها يتعلق بالديمقراطية والحرية السياسية التي هي البيئة الوحيدة التي ينتعش فيها الإعلام ويستعيد عافيته التي تمكنه من تصويب نفسه وأداء رسالته الحقيقية.

ثمة ملف آخر مسكوت عليه في مناقشة الأزمة يتعلق بالدور الذي بات يؤديه المال الخليجي في الإعلام المصري، والمشتغلون بالمهنة يعرفون أن ذلك المال أصبح حاضرا بقوة في الساحة، بحيث أقام مؤسسات ومراكز بحثية وصنع «نجوما» لهم دورهم المشهود في إفساد المشهد الإعلامي وتدهور خطابه.

ولابد أن يثير انتباهنا في هذا الصدد أن هناك جدلا مستمرا في مصر حول تمويل منظمات المجتمع المدني، إلا أن هناك سكوتا مدهشا على تمويل المؤسسات الإعلامية والبحثية.

إننا إذا لم ندرج هذين البندين على رأس قائمة عناوين أزمة الإعلام، فإن أي كلام آخر وأي مناقشة للأزمة ستظل بعيدة عن صلب الموضوع.

النهاية

رایکم
آخرالاخبار