۳۵۱مشاهدات
ومع ذلك، في اللحظة تم فيها التوقيع على الصفقة، أُطلق العنان لتحول عميق في منطقة الشرق الأوسط.
رمز الخبر: ۲۸۸۲۳
تأريخ النشر: 27 July 2015
شبکة تابناک الاخبارية: صفقة إيران، كما حكم عليها الرئيس أوباما، مهمة للولايات المتحدة، ولكنها تمثل تحديًا كبيرًا للسعوديين. إنّها تقوي دولة ترى الرياض أنها مصدر تهديد وشيك للمملكة العربية السعودية والمنطقة.
كانت الرياض مشغولة لبعض الوقت في مشروع معقد لبناء جبهة إقليمية موحدة من شأنها أن تكون قادرة على الحد من التهديد الإيراني في المنطقة وذلك من خلال عملية تقسيم معقدة للعمل. والآن، ومع قرب بدء جولة جواد ظريف في دول مجلس التعاون الخليجي التي تحمل العبارات التصالحية المعتادة، سيستمع الجميع جيدًا، ولكن الكل سيعود إلى التحضيرات الجارية بمجرد انتهاء الاجتماعات.

ومع ذلك، في اللحظة تم فيها التوقيع على الصفقة، أُطلق العنان لتحول عميق في منطقة الشرق الأوسط.

وجد العديد من أعضاء هذه الجبهة العربية المتخيلة من السعودية أن اتفاق إيران يظهر باستمرار في حساباتهم الاستراتيجية. تفرض الصفقة نفسها على رادارات كل العواصم الإقليمية وإجبارها على بدء مراجعة عامة لأولوياتها. وقد وصل التضامن السياسي إلى مراحل متقدمة، وفي نهاية المطاف، ستكون الكلمة العليا للمصالح ووجهات النظر الفردية.

تركيا، على سبيل المثال، تستعد لتلقي حصتها من الازدهار الإيراني المتوقع. وبعد وقت قصير من توقيع الاتفاق، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الإيراني حسن روحاني لتهنئته. وفي أحد مساجد إسطنبول، رحّب أردوغان علنًا بالصفقة، وقال إنّ "هذا سينعكس بشكل إيجابي على علاقاتنا مع إيران". وقال وزير المالية، محمد شيمشك، في وقت لاحق، إنّ "صفقة إيران الغامضة هي نبأ عظيم للتجارة التركية".

الشركات التركية تنفض الغبار الذي تراكم على سجلاتها القديمة على أنغام أغنيتهم المفضلة "نحن الجسر”. في الماضي، زعمت تلك الشركات في كل مكان في العالم العربي، وقبل ثورات الربيع العربي، أن تركيا هي جسر التجارة بين المنطقة وأوروبا. والآن يتم ترجمة تلك الأغنية القديمة إلى الفارسية. ممثلو الشركات التركية يصطفون للذهاب إلى طهران ويحملون أحلامًا وردية وخطابات مكتوبة بشكل جيد حول الأخوة الإسلامية. لقد تدربوا بالفعل على تلك الكلمات، بل ربما حفظوا بعضها في الوقت الذي اعتادوا فيه على قولها باللغة العربية.

المفارقة هي أنه قبل بضعة أسابيع، لعبت أنقرة، بالتنسيق مع الدوحة، دورًا كبيرًا في توفير مجندين لجبهة السُنة على استعداد لمحاربة النفوذ الإيراني، واقتادتهم إلى الرياض (حماس في غزة وحزب الإصلاح في اليمن). ومن المتوقع أن وضع المزيد من الضغط على الحكومة التركية من قِبل قطاع الأعمال؛ الأمر الذي من شأنه أن يجبر أنقرة على أن تكون أكثر عزلة في جهودها السرية وربما تقلل هذه الجهود. وهذا سيخلق فراغًا في الجدارالسعودي؛ لأنّ تركيا لن تكون الشريك المستعد للتحالف كما كانت في السابق.

تمتد المشكلة نفسها إلى حليف سعودي آخر مهم: باكستان. إسلام آباد حذرة من البداية واختارت أن تلعب دورًا هامشيًا في الاستقطاب العربي-الإيراني. ومع ذلك، لعبت باكستان دورًا سريًا هامًا للغاية. ولكن الآن، في ظل رفع العقوبات عن إيران، أعلن وزير البترول الباكستاني (شهيد خاقان عباسي) أنّ العمل في الجزء الباكستاني من خط الأنابيب بين إيران وباكستان من المقرر أن يبدأ في أكتوبر المقبل وسيستغرق 30 شهرًا. وقال عباسي: "إن الاتفاق النووي بين إيران والعالم سيكون مفيدًا بالنسبة لنا. وسوف نستقبل الغاز الطبيعي الإيراني في عام 2017".

أوقفت الولايات المتحدة هذا المشروع لفترة طويلة في سياق تشديد العقوبات على إيران. وسيُنهي خط الأنابيب، الذي يُعرف باسم "خط أنابيب السلام”، أزمة الطاقة المزمنة في باكستان، وسوف تحصل باكستان على 22 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي الإيراني.

وعلاوة على ذلك، تعد طهران بتسوية الخلاف حول بنود العقوبات في العقد لتأخير التنفيذ الذي يتكلف 200 مليون دولار في الشهر. كان ينبغي أن يعمل خط الأنابيب هذا العام، ولكن إسلام آباد قالت إنها لا يمكن أن تنجح في جمع الأموال لاستكمال حصتها.

في العالم العربي، لن تكون مهمة السعودية أسهل؛ لأنّ بعض الدول العربية لم تنضم إلى الجبهة المناهضة لإيران من البداية، مثل عمان. ولكن، انضمت دول أخرى بدرجات متفاوتة من الحماس. وتفكر هذه الدول الخدش الآن لإيجاد وسيلة للحصول على حصتها من الصفقات التجارية مع إيران بأقل قدر ممكن من الصخب. منطقيًا، المهمة الأولى للسعوديين الآن هي فرض الانضباط على المعسكر العربي، إذا كان ثمة معسكر عربي لتبدأ به بالأساس. ومع ذلك، فإنّ نفوذها لفعل ذلك محدودة في كثير من الحالات.

هذا المعسكر العربي لا يمنح جميع أعضائه وزنًا متساويًا في مواجهة الحدة المتوقعة لسياسات إيران التدخلية. بعض اللاعبين أكثر أهمية من غيرهم؛ نظرًا لارتباطهم بجبهة حرب محددة، والقرب الجغرافي والقدرات العسكرية. ليس الأردن مثل المغرب، على سبيل المثال. لذلك؛ يتقلص العدد إلى أقل من حفنة من اللاعبين الإقليميين.

الاجتماع الذي عُقد مؤخرًا بين زعيم حماس خالد مشعل والملك سلمان في الرياض في منتصف شهر يوليو الجاري يسلط الأضواء على دولة كبرى في هذه الحفنة القليلة ذات الصلة: مصر.

في حين أنّ مشروع الرياض بإنشاء جبهة مناهضة لإيران ينهي مرحلة جديدة تحت تأثير توقيع اتفاق نووي؛ إلّا أنّ ثقل مصر سيتم تعزيزه مع الانخفاض المتوقع للدور التركي والباكستاني. ولكن، من أجل ضم القاهرة، يجب على الرياض الموافقة على الخيار الذي طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: إما مصر أو الإخوان المسلمون. وبم أنّ حماس هي فرع من فروع جماعة الإخوان المسلمين؛ فإنّ لقاء سلمان ومشعل يوجّه رسالة إلى القاهرة مفادها أن خادم الحرمين الشريفين يميل تجاه الإخوان. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتضح الرؤية القطرية بشأن هذه الجبهة المناهضة لإيران حتى الآن.

وكانت قطر هي من خططت للقاء سلمان ومشعل. ثمة افتراض في العديد من العواصم العربية أنّ الدوحة ستقدم مشورة منحازة للسعوديين. وطالما تتبع الرياض نصائح بعض مستشاريها في الأمن القومي؛ فمن المحتمل أن تقع السعودية في فخ. مهما كانت الحقيقة، موقف مصر لا بدّ أن يوضع بصورة مباشرة، وفي أحسن الأحوال، في فئة الشركاء الأقل حماسًا تجاه المملكة.

وينبغي القول بأنّ دفع العلاقات المصرية السعودية إلى مستوى الأزمة يعد مسألة خطيرة للغاية لكلا الجانبين في هذه المرحلة الدقيقة. لكنّ القاهرة لا تبدو مستعدة لقبول ما تعتبره فخًا استراتيجيًا للمملكة العربية السعودية ومصر، ولا تبدو الرياض مستعدة أيضًا لتجاهل المشورة القطرية، وقبول الموقف المصري.

لا يزال من السابق لأوانه قياس الدرجة التي سوف تقلل بها تركيا وباكستان وغيرهما من اللاعبين دورهم النشط في مهمة بناء جبهة دفاعية مناهضة لإيران. باختصار، المسافات المتفاوتة بين الدول العربية، إذا قيست من حيث موقفهم بشأن الاتفاق النووي الإيراني وتبعاته، سنجد أنها تهدد بزيادة التوتر داخل المعسكر العربي نفسه. أولئك الذين يقودون الجهود لتحصين الوطن العربي وزيادة مناعته ضد التدخل الإيراني سيطلبون أكثر من أولئك الذين ليسوا في الخط الأمامي في تلك المواجهة، وأولئك الذين يرون أن التعامل مع إيران مواتٍ لمصالحهم الخاصة سوف يشعرون بعدم الارتياح من اتجاه الريح السعودي في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد صفقة إيران.

إحدى التبعات التي نادرًا ما لوحظت من الاتفاق النووي هي أنه جعل من المستحيل تصور الألعاب الصفرية الشائعة في الفكر الاستراتيجي. اللعبة التي محصلتها صفر، في هذه الحالة، ينبغي أن تُفهم من حيث مكوناتها الإقليمية وليس بالمعنى العام. ببساطة، لا يمكن النظر إلى الوضع في سوريا أو العراق من وجهة نظر صدّامية بعد الآن.

على المستوى العام، ليس صحيحًا أنّ العرب لا يحاولون التدخل في الشؤون الإيرانية، أو أنهم لا يمثلون تهديدًا عسكريًا ضد إيران، أو حتى أنهم ليس لديهم حلم تاريخي ببناء إمبراطورية إقليمية.

الدرجات المتفاوتة من الحماس للعب دور فعال ضد التدخل الإيراني سيؤدي أيضًا إلى زيادة التحريض الطائفي. ومن ثم؛ فالطريقة الوحيدة لاجتذاب الشركاء المترددين هي زيادة الضغط الشعبي الداخلي عليهم لمواجهة خطر "الشيعة”. في الواقع، مثل هذه المساعي خطرة جدًا على المدى الطويل. المزيد من المساعدات للجماعات السلفية المحلية، المعادية للشيعة، في البلدان المترددة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتأكيد سوف يقدم للإرهاب مجندين جددًا. ومع ذلك، فإنّ السعوديين هم مثل أي شخص آخر، لا يرغبون في الشعور بأنهم محاصرون؛ لأنّه إذا حدث ذلك، سيقاتلون.

في كل الأحوال، يمكن القول بأن الصفقة النووية تُحدث تحولًا جيدًا في المنطقة، حتى لو لم نلحظ هذا التحول حتى الآن. والسؤال الآن هو: ما هي السيناريوهات المحتملة التي ستنشأ نتيجة لهذا التحول؟

ميدل إيست بريفينج – التقرير

رایکم