۴۰۷مشاهدات
رفض تقسیم العراق، لیس مجرد نداء عاجز، تطلقه القوى التی أسهمت فی تنفیذ العملیة السیاسیة، التی قسمت العراق بین الطوائف والأقلیات. ورفض مشروع التقسیم لن یكون جدیاً، ما لم یبدأ برفض العملیة السیاسیة التی شیدت النظام الحالی.
رمز الخبر: ۲۸۱۰۶
تأريخ النشر: 22 May 2015
شبکة تابناک الاخبارية: کتب الدکتور یوسف مكی في مقال له نشر في مجلة شؤون خلیجیة: قبل أقل من عشر سنوات، تبنى الكونغرس الأمریكی، قراراً غیر ملزم تقدم به النائب السابق، ونائب الرئیس الأمریكی حالیاً جوزیف بایدن قضى بتقسیم العراق إلى ثلاث دول: دولة كردیة فی الشمال، وأخرى شیعیة فی الجنوب وثالثة، فیما صار یعرف بالمثلث السنی.

الخطوة الجدیدة التی تبناها الكونغرس الأمریكی، وإن كانت لم تشر مباشرة إلى تقسیم العراق، لكنها فی نتائجها، تشكل خطوة عملیة على طریق وضع مشروع بایدن قید التنفیذ. وقد جاءت هذه الخطوة فی صیغة مشروع تقدم به النائب ماك ثورنبیر رئیس اللجنة العسكریة بمجلس الشیوخ، طالب فیه وزیری الدفاع والخارجیة، فی حكومة الرئیس أوباما بمطالبة الحكومة العراقیة إعطاء السنة والكرد دوراً أكبر فی الحكم، وبشكل خاص فی قتال تنظیم «داعش».

ولا شك أن من الصعوبة عزل هذا المشروع، عن المحاولات الأمریكیة، التی دأبت علیها الإدارات المتعاقبة منذ مطالع التسعینات من القرن المنصرم، باتجاه تقسیم العراق. وكانت بدایة ذلك خریطة الحظر الجوی التی نفذتها إدارة الرئیس كلینتون، والتی رسمت السیناریو الأول لشكل الخریطة المرتقبة، لما صار یعرف ب «العراق الجدید».

لقد رسخت هذه خریطة الحظر الجوی هذه بعد الاحتلال الأمریكی للعراق مباشرة، بعد الإعلان عن العملیة السیاسیة، التی هندس لها المندوب السامی الأمریكی السفیر بول برایمر، العملیة التی شكلت الهیكل السیاسی للعراق، على أساس المحاصصة بین الطوائف والأقلیات، وغیبت مفهوم المواطنة.

ولم یكن تحقیق ذلك بالأمر السهل، من غیر تزامن تطبیقه، مع التدمیر الممنهج للدولة، وحل الجیش العراقی، والتنكیل بالمعارضین العراقیین للاحتلال الأمریكی. وأیضاً مع تحفیز لروح الانتقام والثأر، وهجمة حاقدة على تاریخ العراق، ومرتكزاته الثقافیة، شملت المتحف العراقی وجامعة بغداد، ودور الكتب ومؤسسات الدولة. وكان للغوغاء ولقادة المیلیشیات التی قدمت مع الاحتلال وعلى ظهور دباباته الدور الأكبر فی اغتیال العراق.

وقد كانت تلك الأحداث موضع تغطیة من مختلف وسائل الإعلام العالمیة، بما فی ذلك الصحافة والقنوات الفضائیة الأمریكیة. لكن وزیر الدفاع الأمریكی فی حینه دونالد رامسفیلد لم یتردد عن وصف ذلك بأنه ممارسة أولیة للدیمقراطیة، لشعب لم یتعود لعقود طوال على ممارسة الحریة. واصفاً ما كان یجری فی العراق بالفوضى الخلاقة.

كانت مبررات طرح مشروع بایدن لتقسیم العراق، هی وضع حد للعنف والحیلولة دون تحول العراق إلى دولة تعمها الفوضى. ورغم أن القرار المذكور اعتبر غیر ملزم، لكن الأحداث التی تلته، أكدت أن عملیة تقسیم العراق تجری على قدم وساق.

مشروع النائب ماك ثورنبیر، رئیس اللجنة العسكریة فی مجلس الشیوخ، هو خطوة عملیة باتجاه تنفیذ مشروع التقسیم. فقد رهن المساعدات العسكریة الأمریكیة، للحكومة العراقیة بإشراك السنة والكرد فی الحكم، مطالباً بالإسراع فی صیاغة تشریع قانون الحرس الوطنی.

لقد هددت اللجنة العسكریة فی مجلس الشیوخ، بأنها ستحجب المساعدات عن الحكومة العراقیة، ما لم تتم الاستجابة لطلباتها، وأنها ستحیل معظمها للكرد والسنة. وذلك یعنی افتراض وجود مؤسسات معترف بها تمثل الأقلیات والطوائف، وتتلقى الدعم نیابة عنها.

بمعنى آخر، یجیز القانون المقترح من قبل الكونغرس الأمریكی تقدیم مساعدات عسكریة، لجهات غیر حكومیة، تحت مسمى الأقلیات فی العراق. ویشیر صراحة إلى أن 25% من المساعدات العسكریة الأمریكیة ستقدم لهذه الأقلیات، لكن تنفیذ الصرف سیتم بالتنسیق مع حكومة بغداد. إلا أنه یعود للمراوغة مرة أخرى، مؤكداً نیة التقسیم، بالإشارة إلى أن 60% من ال 25% ستعطى مباشرة إلى السنة والكرد إذا كانت إدارة أوباما لا ترى أن هناك «تقدماً مرضیاً» تقوم به الحكومة العراقیة لإدماج الأقلیات وإطلاق سراح بعض السجناء الذین لم توجه الیهم أی تهم، ومعالجة المظالم السیاسیة.

الأمر الخطر فی هذا المشروع، هو أنه یعكس رغبة صناع القرار الأمریكی، فی التعامل مع قوات البشمركة ومقاتلی العشائر السنیة ككیانین منفصلین عن الجیش العراقی بحیث تستطیع أمریكا تقدیم الدعم المباشر لهم دون حاجة للرجوع للحكومة العراقیة. وذلك ما یدشن الأرضیة لتطبیق مشروع بایدن سیىء الذكر حول تقسیم العراق.

إن القرار آنف الذكر، یوكل إلى قوات البشمركة الكردیة وقوات العشائر السنیة مهمة الأمن الوطنی فی مناطقهم. وسوف یكون الحرس الوطنی السنی المزمع إنشاؤه، المعادل لقوات البشمركة فی المناطق الكردیة، وللجیش العراقی، فی المناطق المتبقیة تحت سلطة بغداد. بحیث یتقسم العراق لثلاث دول منفصلة، لا سیطرة للحكومة المركزیة علیها.

ولن یغیر من طبیعة الموقف شیئاً، تصریح السفارة الأمریكیة فی بغداد، بأن قرارات الكونغرس الأمریكی لا تعكس بالضرورة السیاسة الخارجیة المتبعة حیال الدول، وأن الذی یمثل هذا التوجه هو الرئیس باراك أوباما الذی بإمكانه استخدام حق النقض لإبطال مشروع الكونغرس، فالقرارات التشریعیة، إذا ما جرى تكرارها تتحول إلى أمر واقع، وسوف تشكل عنصر ضغط حقیقی على صانع القرار الأمریكی ولن یكون بمقدور أی رئیس نقضها فی المستقبل.

التجارب التاریخیة، للعلاقة مع أمریكا تؤكد أن قرارات الكونغرس، لا تسقط بالتقادم. وأنها ترصف الأرضیة لقرارات مستقبلیة حاسمة. والرغبة الأمریكیة فی تقسیم العراق لم تبدأ الآن، بل جرى الحدیث عنها منذ منتصف السبعینات من القرن الماضی، كمنطقة رخوة، وأعید التأكید على التقسیم، بطرق مختلفة، منذ عام 1990، واعتبرت مناطق الحظر، صورة لعراق المستقبل.

رفض تقسیم العراق، لیس مجرد نداء عاجز، تطلقه القوى التی أسهمت فی تنفیذ العملیة السیاسیة، التی قسمت العراق بین الطوائف والأقلیات. ورفض مشروع التقسیم لن یكون جدیاً، ما لم یبدأ برفض العملیة السیاسیة التی شیدت النظام الحالی.

إن تحقیق المصالحة الوطنیة، وبناء جیش عراقی قوی، وإلغاء المیلیشیات الطائفیة، وعودة العراق إلى محیطه العربی، وإلغاء قرارات الاجتثاث، وإعادة الاعتبار للهویة التی صنعت تاریخه هی خطوات جوهریة على طریق مناهضة بلقنة العراق، وما لم یتم تحقیق ذلك فلن یكون أمام العراق سوى المزید من الفوضى والأعاصیر.

النهاية
رایکم
آخرالاخبار