۲۶۲مشاهدات
وتلاقى بلفظه الجذريّ مع الرؤية الروسيّة في استخراج جيو-سياسيّات جديدة ومتوازنة، تأبى آحاديّة إسرائيليّة، وهيمنة خليجيّة، واستنهاضًا لنيو-عثمانيّة مستعمرة.
رمز الخبر: ۲۷۵۰۶
تأريخ النشر: 25 April 2015
شبكة تابناك الاخبارية: كتب جورج عبيد في مقال له نشر في صحيفة النشرة: تساءل كثيرون في خضم إعلان السعوديّة عن وقف "عاصفة الحزم"، ما كان الهدف من هبوبها على الأرض اليمنيّة، ولماذا شاءت السعوديّة التوغّل بمغامرة غير محمودة النتائج، في ظرف يحتاج إلى استقراء سعوديّ للمراحل المقبلة في ظلّ التبدّلات الاستراتيجيّة في الخيارات الأميركيّة على قاعدة الاتفاق الواضح مع إيران، وتاليًا القضاء على الإرهاب الطالع من الفكر الوهابيّ بحروفيّته المغلقة؟

ما ينبغي الإشارة إليه، بأنّ السعوديين أوقفوا العاصفة بعد انكشاف كلّ الأوراق أمام رسوخ الأطروحات الجديدة. لقد لفظ العقل الأميركيّ، ومن جوفه هذه المرّة، ذلك التماهي ما بين الدولار والبترول في الآفاق السياسيّة الواسعة والترجمة الاقتصاديّة السائدة، والتوجهات الأمنية الرائجة حديثًا.

وتلاقى بلفظه الجذريّ مع الرؤية الروسيّة في استخراج جيو-سياسيّات جديدة ومتوازنة، تأبى آحاديّة إسرائيليّة، وهيمنة خليجيّة، واستنهاضًا لنيو-عثمانيّة مستعمرة. فدخلت المنطقة ومن البوابة اليمنيّة جوهر الاتفاق الإيرانيّ-الدوليّ بإلحاح أميركيّ وترحيب روسيّ.

ماذا حصل حتّى تغيّرت المعطيات بالعمق؟
ليس من خلاف في الأساس حول محتوى دخول السعوديين اليمن. وما عرف من المعطيات أنّ السعوديين ألحّوا على الأميركيين بالدخول في الحرب، إلاّ أنّ الأميركيين وعلى لسان وزير الخارجية جون كيري، أجابهم ولماذا لا تدخلون الحرب في اليمن، بعض المحللين قارنوا بين جواب كيري لوزير الخارجية السعودية سعود الفيصل المتحمّس للمعركة بحسب بعض الأوساط، وكلام إيبريل غلاسبي لصدّام حسين لكي يدخل الكويت معتبرًا حينذاك بأدبياته هو أنّها جزء من العراق... فكانت النتيجة أن خسر صدام الكويت ومن ثمّ العراق.

عاصفة الحزم، بدورها منحت القوى المتطرّفة زخمًا كبيرًا وبخاصّة تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، فضلاً عن أنّها بلغت مرحلة التهديد الجيو-سياسيّ، للمواقع المحيطة باليمن، وبخاصّة الموقع الإيرانيّ. تحرّكت البوارج الإيرانيّة في محيط البحر الأحمر ممّا اثار ريبة الأميركيين، وبحسب أوساط دبلوماسيّة جرى اتصال بين الوزيرين جون كيري ومحمد جواد ظريف، تمّ الاتفاق بعد ذلك على توجيه إنذار للمملكة لوقف الحرب، لكونها ستؤدّي إلى حرب كبرى في المنطقة ستزعزع أساساتها وستستفيد بحسب بعض المعطيات الدقيقة القوى التكفيريّة والمتطرّفة ويؤدّي ذلك إلى فرض شروطها على اللاعبين فيها.

في الوقت عينه وجد الأميركيون أنفسهم محرجين ليس فقط تجاه الإيرانيين وليس تجاه تفعيل اتفاقهم معهم، بل تجاه موقعهم في الحرب على الإرهاب. ذلك أنّ دعمهم أو تشجيعهم بالحدّ الأدنى للدخول السعوديّ التبس جدًّا حين تمّ التغاضي عن حراك "القاعدة" و"داعش" في بعض المناطق والمواقع اليمنيّة... هذا رصده الروس، فكان التنبيه الروسيّ والمتماهي مع التنبيه الإيرانيّ... على ضوء ذلك حصل اتصال واضح بين الرئيس الأميركيّ باراك أوباما والملك السعوديّ سلمان بن عبد العزيز، أوقف السعوديون "عاصفة الحزم" من دون تقدّم عسكريّ، ليطلق حراكًا آخر باتجاه حلّ سياسيّ جديد من اليمن ومنه إلى المنطقة.

وفي الوقت عينه، لا يمكن إغفال العامل السعوديّ الداخليّ في التأثير على واقع الحرب وموقعها ومحتواها. فثمة فريق في العائلة المالكة داخل المملكة اعترض على الحرب وتمّ البلوغ إلى انقسام داخليّ صامت، وهذا الانقسام بإمكانه تهديد موقع المملكة ودورها. وقد ثبت أن الحرب في اليمن هددت موقع السعوديّة بصورة مباشرة، والتهديد في حقيقته غير محصور فقط بإطاره الداخليّ، بل له أن يتوسّع بتهديد موقع السعوديّة ودورها السياسيّ في المنطقة ككلّ.

وبتقييم بسيط لنتائج الحرب اليمنيّة، يزيّن للقارئين بالعمق السياسيّ، بأنّ المملكة خسرت كثيرًا. بعض الأوساط السياسية الناقدة اشتركت في التقييم من باب النقد المجرّد، فقرأت بأنّ السلوك السعوديّ خلا كليًّا من الرؤى الاستراتيجيّة القائمة في مثل تلك الحالات على المقاربة بين الربح والخسارة بحسابات دقيقة.

فجاء السلوك مشوبًا بفجوات واسعة وخطيرة، سبّبته تلك الانفعاليّة المستندة إلى الأحلام التاريخيّة بخصوص اليمن شاءوا استرجاعها، وليس من إدراك بأن تلك الأحلام، ليس لها من تجسيد أو توظيف على أرض الواقع. حلم صدام حسين بالكويت، فاحترق، وحلم السعوديون باليمن فاحترقوا من بعد أن خسروا حروبهم ما بين سوريا والعراق، وظلّ الرئيس بشار الأسد رقمًا صعبًا في المعادلة.

ما بين بلاد الرافدين وبرّ الشام شنّ السعوديون حربهم على النظامين بالواسطة ففشلوا في الخطوط العريضة، وبخاصّة بوجود اللواء قاسم سليماني في تكريت ومحيطها. فكيف وقد شنوا حربهم بصورة مباشرة على اليمن؟

لا يمكن وفي معرض التقييم، إغفال موقع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى جانب "أنصار الله"، في الصراع من خلال الخطابين الأخيرين. فبدا متقدّمًا وثابتًا أكثر من الدور الإيرانيّ نفسه. فهو استطاع أن يثبت بأنّ توصيف الحرب في اليمن بين العرب والفرس أو المجوس، توصيف أجوف وأخرق، لا يستند إلى معطيات علميّة واضحة، إذ اليمن عربيّ قبل الإسلام وفي الإسلام وبعده، والمعركة عند الأمين العام للحزب تخاض لتثبيت عروبة اليمن، لكون الحوثيين هم عرب أقحاح.

وبيّن بدوره لمن سمع الخطاب الأخير يدقّة واضحة، بأنّه ليس هو من ينتظر أيّ توجيه من الإيرانيين، بل هو من يوجّه الإيرانيين في المنطقة لأدوارهم وبخاصّة في إشارته للمسؤول الإيرانيين بعدم زيارة المملكة بعد رفضها استقبال أحمد جواد ظريف، بعكس الرهانات القائمة عند بعض الأفرقاء اللبنانيين، وهم من سعوا بها لحجز تذاكر لهم في الصراع على أرض اليمن ومنها إلى الساحة اللبنانيّة.

بعد تلك الحرب، يمكن لنا توقّع تغييرات واضحة ترسم مع الحلول السياسيّة المطلوبة في اليمن وسوريا والعراق. ستأتي الحلول من باب الاتفاق الإيرانيّ-الدوليّ وبخاصّة الأميركيّ، وانعطافه استراتيجيّا على دول الخليج، وقد صيغ بدوره بترحيب روسيّ. تلك القوى ستولّف الحلّ، وتاليًا سيفتح باب التفاوض السياسيّ، ليس قبل حسم الحرب على الإرهاب والتي وبحسب مصادر أمنية وسياسيّة ستتّجه إلى المزيد من الجديّة والصفاء، بعد أن تقمّطت بضباب سميك.

وتعترف بعض المصادر الغربيّة بأنّ الأميركيين بعد انكشاف المواقع في اليمن، سيتخلّون عن مفهوم الاستهلاك للأوراق التكفيريّة، وهي تخطّت صلاحيّتها وانقلبت على مفبركيها وممولّيها ومصدّريها. لن يكون ثمّة حلّ برسوخ تلك القوى واتجاهها إلى ترميد المنطقة وفرض شرائعها وتدمير الحضارات في ربوعها، بل حتمًا سيتمّ قلعها من جذورها رويدًا رويدًا، ومعركة القلمون-عرسال المنتظرة تدخل في تلك الحسابات الواضحة.

أين موقع لبنان بتركيبته المسيحيّة-الإسلاميّة؟ لبنان هو البلد الوحيد، المؤّهل لنضوج التسوية بدءًا من أرضه، وقد اقترب زمانها. معظم الأطراف على أرضه ذاقت أنّ الخلل يبيح العنف، وليس باستطاعته احتمال الخلل في ظلّ ملفات متراكمة تختصّ بالوجود المسيحيّ فيه وامتدادًا إلى المشرق العربيّ، وتختصّ بخصوصيّة العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة الأكثر نضوجًا وعقلانيّة في مدى المنطقة وقد زادها نضوجًا الكلام الصادر عن مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان.

وممّا لا شكّ فيه أنّ مفاعيل التسوية ستنطلق من رئاسة الجمهوريّة، في ظلّ قناعة شبه واضحة عند معظم الأطراف بضرورة انتخاب رئيس ينطلق من المحتوى المسيحيّ إلى المحتوى الوطنيّ، بمعرفته الدقيقة أنّ الحق اللبنانيّ هو حقّ مسيحيّ-إسلاميّ، والحقّ اللبنانيّ في إطار التسوية العامة ينبغي أن يكون حقًّا عربيًّا شاملاً.

هذا ما يمكن ارتقابه بعد عاصفة الحزم في اليمن ومنها إلى المنطقة بأسرها.

النهاية
رایکم
آخرالاخبار