۳۵۲مشاهدات
ورغم ذلك؛ تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وتمتلك اقتصادًا قويًا يعتمد على النفط يضمن لها استمرار الاستقرار على الأرجح.
رمز الخبر: ۲۶۰۲۳
تأريخ النشر: 31 January 2015
شبكة تابناك الاخبارية - كتب البروفيسور جوشوا تيتلبوم من مركز بيجن للدراسات الاستراتيجية: تخلق وفاة العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبدالعزيز» وانتقال الخلافة بسلاسة إلى أخيه الملك «سلمان» تطورا مُثيرا للاهتمام في المملكة العربية السعودية. ويمثل هذا الانتقال عودة الأسرة السديرية للقيادة وارتفاع جديد لأحفاد الملك المؤسس «عبد العزيز».

ويواجه الملك «سلمان» وبلاده بعض التحديات الخطيرة في المستقبل؛ بما في ذلك الجمهورية الإيرانية النووية ووجود تنظيم «الدولة الإسلامية» على أعتابها. ورغم ذلك؛ تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وتمتلك اقتصادًا قويًا يعتمد على النفط يضمن لها استمرار الاستقرار على الأرجح.

والسعودية هي البلد التي يُيمم 1.7 مليار مسلم على مستوى العالم وجوههم إليها خمس مرات يوميًا في الصلاة، كما أنها أكبر مُصدّرٍ للنفط في العالم. لذا فليس من المستغرب أن ترتجف أسواق الأسهم، وترتفع أسعار النفط المنخفضة قليلاً، ويقطع الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» رحلته إلى الهند ليُغير وجهته إلى الرياض، وتهبط الأعلام إلى نصف الصاري في بريطانيا عندما أُعلن في 23 يناير/كانون الأول عن رحيل الملك السعودي «عبد الله بن عبدالعزيز».

والآن؛ انتقلت السلطة بسهولة في السعودية، وليس هناك أدنى سبب للشك في أن هذه المرة سيكون الانتقال مُختلفًا. وتعرف العائلة المالكة السعودية أن صراع الخلافة سوف يضر بها وحدها دون غيرها، وفي الوقت نفسه لا يريد الأمراء السعوديون أن يقتلوا البقرة الحلوب التي بين أيديهم؛ حيث إن المملكة العربية السعودية هي واحدة من دولتين في العالم تحمل اسم عائلة (الأخرى هي المملكة الأردنية الهاشمية).

ويمكن لهؤلاء المعنيين بالاستقرار أن يطمئنوا إلى أن انتقال الخلافة سيكون سلسا، وأن سفينة الدولة السعودية سوف تواصل إبحارها في بحار السياسة في الشرق الأوسط بنجاح تماما كما هي عليه منذ أكثر من مائة عام. وبالفعل، فإن التحديات التي واجهها الملك «عبد الله» ستستمر في عهد الملك الجديد «سلمان»، ولكن العائلة المالكة أثبتت براعة فائقة للغاية في التعامل مع ما ترميه السياسة في طريقها.

ميلاد جديد للسديريين
وتمخضت عملية نقل الخلافة بمجرياتها المتتالية عن تطورين مثيرين للاهتمام: عودة وظهور نجم «السديريين السبعة»، والتحرك أخيرًا نحو أحفاد الملك المؤسس «عبد العزيز» من خلال تعيين الأمير «محمد بن نايف بن عبد العزيز» في منصب نائب ولي العهد.

ويمكن للمرء أن لا يفهم سياسة العائلة المالكة دون أخذ دورة تعليمية قصيرة في الفصائل الحاكمة في السعودية. وللملك المؤسس «عبد العزيز» عشرات الأبناء. وشكل هؤلاء الأبناء فصائل تأخذ شكل القبيلة بناء على الأم المشتركة. وكان أهم فصيل من حيث الظهور هو ذاك الذي ضمّ أبناء سبعة للملك المؤسس من «حصة بنت أحمد السديري». وجاء من نسل هذا الفصيل ملكين؛ الملك «فهد» بن عبد العزيز (المتوفى سنة 2005م)، والملك «سلمان» العاهل الجديد، بالإضافة إلى الأمير «نايف» (المتوفى سنة 2012م) الذي قضى فترة طويلة كوزير الداخلية، والأمير «سلطان» (المتوفى سنة 2011م) الذي قضى فترة أطول منه كوزير الدفاع. هذا الفصيل من الأخوة الأشقاء يعمل كمجموعة ضد المتنافسين، ولكن من الممكن أن تنشب بينهم خلافات داخلية عندما ينافسون على المناصب.

ولم يكن للملك المتوفى مؤخرا «عبد الله بن عبدالعزيز» أخوة أشقاء. ولكن أخيه غير الشقيق الملك فيصل (المتوفى سنة 1975م) كان حكيما بما يكفي لترسيخ مبدأ التوازن بين الأنساب المالكة. وتفاوتت نسبة تطبيق هذا المبدأ قوةً وضعفًا منذ وفاة الملك «فيصل». ورغم ذلك؛ فإن هناك احترام عام في الأسرة المالكة لمبدأ التوازن، ولكن هذا لا يمنع من المناورة وتعزيز المصالح الفئوية.

وخلال فترة ولايته، كان الملك «عبد الله» حريصًا على وضع أبنائه في مناصب السلطة لاكتساب الخبرة والمكانة اللازمة التي ترشحهم للعرش في المستقبل. وبناءً عليه؛ عيّن ابنه الأمير «متعب» رئيسًا للحرس الوطني السعودي - وهو المنصب الذي شغله الملك «عبدالله» بنفسه في السابق - والتي كوّنها الملك «فيصل» لتحقيق التوازن مع وزارة الدفاع التي يديرها السديريون. وفيما يتعلق بالحرس الوطني نفسه، فقد حرص «عبد الله» على مدى السنوات القليلة الماضية على زيادة قدرة الحرس للقيام بمهام أكثر تعقيدًا؛ وذلك من خلال زيادة التدريب ومشتريات الأسلحة. ويرأس «متعب» حاليا قوة هائلة.

ووضع «عبد الله» ابنه الأمير «تركي» أميرا لمنطقة الرياض في مايو 2014، وهو المنصب القوي الذي قاده لعقود الملك الحالي «سلمان». أما «مشعل» فوضعه أبوه «عبدالله» أميرا لمدينة مكة المكرمة في ديسمبر/كانون الأول عام 2013م.

وبينما كان وزير الداخلية السديري الأمير «نايف» على قيد الحياة ثم ولده «محمد» من بعده، حاربت المملكة العربية السعودية تنظيم القاعدة وهزمته، وأشرفا - الأب والابن - على تطوير قوة كبيرة لحماية المنشآت النفطية لتعزيز قوات الأمن والاستخبارات الداخلية الهائلة الموجودة بالفعل تحت تصرفهما.

والآن يمكن القول إنه على الرغم من أن «عبد الله» كان يسعى لوضع أبنائه في مواقع حساسة باستمرار، إلا إنه اضطر لاحترام مبدأ التوازن. ولذلك؛ كان كل أولياء العهد من فصيل «السديري» المنافس. تُوفي أول اثنين؛ «سلطان» و«نايف» في تتابع سريع. أما ولي العهد الأخير «سلمان» فقد بات الآن هو الملك. ولكن لتأمين هذا المنصب؛ اضطر «سلمان» وأقرباؤه السديريون الاتفاق على تعيين أمير كفؤٍ كالأمير «مقرن» كوليٍ للعهد. «مقرن» - رئيس سابق للمخابرات - هو أحد الأبناء القلائل المتبقين للمؤسس «عبد العزيز» وليس لديه أي أخوة أشقاء. وكان هذا أيضًا حلاً وسطًا لـ«عبد الله»، الذي كان يفضل أن يكون واحدًا من أبنائه في موضع ولي العهد على ظهر السفينة. و«مقرن» الآن هو ولي العهد.

عودة الخلافة لـ«سلمان» لم تكن أبدًا محل شك، ودلت على عودة السديريين. ومع ذلك فإنه ضعيف صحيًا وكبير في السنّ. وفي الوقت الذي سيخلف فيه «مقرن» «سلمان»، فإن الأمير «مقرن» ليس لديه أبناء ليضعهم في مناصب أعلى ومواقع مرموقة. لذلك، عندما تولى «سلمان» العرش لم يخيب أمل أقربائه السديريين فيه. فقد أزاح حلفاء «عبد الله» وأبنائه من المناصب الهامة، ووضع السديريين في المواقع المرموقة. والأهم من ذلك؛ وضع السديري الأمير «محمد بن نايف بن عبد العزيز» في منصب ولي ولي العهد، ما يضع حدًا لأي مراوغة من «مقرن»، ويضمن سيطرة الجناح السديري لسنوات عديدة على السلطة.

ويقول الواقع إن السديريين ربما يأملون في الهيمنة على الأمير «مقرن» مثلما استغلوا ضعف الملك «خالد» الذي خلف الملك «فيصل».

عمليات التعيين الفوري التي يقوم بها الملك «سلمان» توضح بلا غموض كيف تم تهميش أبناء الملك «عبد الله» والمؤيدين بينما أُعطي السديريون أعلى المناصب والمواقع. ويُثبت ذلك تعيين الأمير «محمد بن نايف» (55 عامًا) وليا لولي العهد، ونائب رئيس الوزراء، وإعادة تعيينه وزيرا للداخلية؛ وهو المنصب الذي يشغله منذ عام 2012م.

تعلم الأمير «محمد» في الغرب، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويعود له الفضل بشكل كبير في سحق تنظيم القاعدة في المملكة. وتردد أنه نجا من أربع محاولات اغتيال نفذتها القاعدة. وهو رجل الساعة؛ ومن المرجح أن يعمل مع أقربائه السديريين للحد من نفوذ ولي العهد الأمير «مقرن» عندما يُصبح ملكًا.

واختار الملك «سلمان» ابنه الأمير «محمد» - البالغ من العمر 30 عاما - كوزير للدفاع؛ وهو المنصب الذي شغله «سلمان» نفسه من قبل، ما يعزز ترسيخ سيطرة «سلمان» وعائلته على على هذا المنصب الذي يطمع فيه الجميع على حساب منافسيه داخل الجناح السديري (قاده من قبل السديري الأمير سلطان). كما عيّنه رئيسًا للديوان الملكي ومستشارًا خاصًا للملك، وأطاح بـ«خالد بن عبد العزيز التويجري» من كل تلك المناصب.

وعائلة التويجري عائلة نجدية لها وضعها، وارتبطت منذ فترة طويلة بالملك الراحل «عبد الله» وابنه «متعب». وبناءً عليه؛ فإن الإطاحة به تعني خفض الامتيازات التي نالها «متعب» في ظل حكم والده «عبدالله». ولا يزال «متعب» وإخوته يشغلون مناصب قوية، ولا يمكن إبعادهم تماما. لكن من دون شك أنهم تلقوا ضربة قاسية.

النظر للأمام: الرياض والداخل والخارج
و«سلمان» نفسه أحد أفراد العائلة المالكة أصحاب التاريخ البارز، لكنه يبلغ من العمر 70 عامًا وفي حالة صحية غير جيدة. وينظر السديريون إلى الأمير «مقرن» باعتباره كفؤًا وقادرًا على العمل، ولكن هذا فقط حتى يصل نائبه «محمد بن نايف» إلى العرش. الأمير «محمد بن نايف» مستعد جيدًا للتعامل مع التحدي المتمثل في مكافحة الإرهاب. وبشكل عام؛ يُنظر إلى أحفاد «عبد العزيز» أنهم ربما أكثر تقدمًا وانفتاحًا على التغيير من آبائهم.

وتواجه المملكة العربية السعودية بقيادة الملك «سلمان» بعض التحديات الخطيرة في السنوات المقبلة. ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن العائلة المالكة سوف تكون أقل قدرة على التعامل مع هذه القضايا.

فعلى الجبهة الداخلية؛ كانت المملكة عبارة عن جزيرة من الاستقرار في الوقت الذي واجهت فيه الانتفاضات العربية خلال 2011 - 2012م بالجمع بين الإقناع وزيادة الإنفاق.

ولكن في الغالب يمكن الاعتماد على الشعب السعودي غير المسيس بدرجة عالية، والذي يعرف جيدًا كيف يقارن وضعه بوضع جيرانه الذين يعانون أحداثًا وظروفًا مُلتهبة. ولكن لا يزال جيل الشباب أقل مطاوعة وأكثر عولمة ويطالب بحقه من النصف قرن الماضي، الذي تحولت فيه المملكة العربية السعودية من منطقة صحراوية راكدة فقيرة تتوسل للحصول على قروض من الولايات المتحدة إلى قوة اقتصادية ماحقة.

وينجذب البعض إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» والقاعدة، في حين يُثير البعض قضية عدم وجود ديمقراطية في بلدهم. ومع ذلك؛ فإن أي معارضة قد تظهر لن تكون قادرة على تمثيل تحدي حقيقي في المستقبل القريب.

تحديات في منطقة مضطربة
وبالنسبة للمنطقة؛ فلا تزال المملكة تبحر في بحار من من العواصف الناجمة عن التحدي الإيراني، مثلها مثل إسرائيل. في الجنوب هناك المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران؛ والذين أزاحوا مؤخرا نظام الرئيس «عبد ربه هادي» الذي تدعمه واشنطن والرياض لتعاونه في مكافحة تنظيم القاعدة. وفي الشرق؛ توجد البحرين ذات الأغلبية الشيعية التي تعاني من تهديدات المعارضة المدعومة من إيران. وفي الشمال؛ العراق الذي يقوده الشيعة بدعم من إيران، ما يعني أن السعودية يتربص بها أعداؤها من كل النواحي.

وقد أعطت هيمنة الشيعة على العراق دفعة للدولة الإسلامية التي تجذب الشباب السعودي لصفوفها. وتنشط الدولة الإسلامية أيضًا في سوريا وتكافح ضد نظام بشار الأسد الموالي لإيران. وبطبيعة الحال، فإن الأهم من ذلك هو أنه في الوقت الذي تتحرك فيه إيران بثبات نحو امتلاك أسلحة نووية، فإن الرياض يمكنها أن تأمل فقط - جنبا إلى جنب مع إسرائيل - أن تثوب الولايات المتحدة إلى رشدها وتضع حدًا لتقدم إيران.

ولا تزال علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة قائمة على أساس متين، على الرغم من خيبة الأمل السعودية في إدارة الرئيس «باراك أوباما». وترتبط الدولتان بترتيبات دفاعية ومبيعات بمليارات الدولارات لسنوات قادمة. وكل من واشنطن والرياض بحاجة إلى بعضهما البعض.

ونتيجة لصدمتهم بسبب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، يلعب السعوديون الآن دورا معتدلا ضد الإسلاميين؛ سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو المجموعة الجهادية المتطرفة المعروفة باسم «داعش».

وتشارك المملكة العربية السعودية الاستخبارات مع الولايات المتحدة التي يمكنها القيام بعمليات عسكرية يحلم بها السعوديون. ولدى الرياض آمال في أن تصبح قوة إقليمية مستقلة على مدى العقود المقبلة بشكل يشبه إلى حد ما إسرائيل. وهذا يعني أن تكون المملكة حليفًا للولايات المتحدة، ولكنها قادرة على إسقاط قوة عسكرية عند الضرورة وبدون المساعدات الأمريكية التكتيكية أو حتى أخذ إذنها. ومن المعقول أن نتوقع أن التعاون السعودي السري مع إسرائيل بشأن إيران من المرجح أن يستمر كذلك.

النهاية
رایکم
آخرالاخبار