۳۲۱مشاهدات
وبعدما اصطدمت هذه السياسة، سورياً، بحائط مسدود وعجزت عن تحقيق الأهداف المتوخاة منها، بدأت تداعياتها ترتدّ باتجاه الأراضي السعودية، حيث ارتفع خلال الفترة الماضية منسوب التهديد الذي يستهدف أمنها واستقرارها.
رمز الخبر: ۲۵۳۵۰
تأريخ النشر: 10 January 2015
شبكة تابناك الاخبارية: كتب عبد الله سليمان علي فی مقال له نشر فی السفير، رغم تزايد المؤشرات على فشل سياستها، إلا أن الرياض تستمر في غض الطرف عن انتقال «المقاتلين السعوديين» إلى الأراضي السورية.

وبعدما اصطدمت هذه السياسة، سورياً، بحائط مسدود وعجزت عن تحقيق الأهداف المتوخاة منها، بدأت تداعياتها ترتدّ باتجاه الأراضي السعودية، حيث ارتفع خلال الفترة الماضية منسوب التهديد الذي يستهدف أمنها واستقرارها.

وعكس سلوك الاستخبارات السعودية، المتمثل في حده الأعلى بتشجيع وتسهيل «الهجرة الجماعية» للمتطرفين المتواجدين على أراضيها، وفي حده الأدنى بغض الطرف وعدم اتخاذ أي إجراءات فاعلة للحد منه، رغبة دفينة لدى السلطات السعودية بالتخلص من الخطر المحتمل الذي يمثله هؤلاء المتطرفون عليها، وبالتالي جاء تصديره إلى سوريا لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول محاولة إسقاط النظام السوري بأي ثمن، والثاني توجيه نشاط المتطرفين السعوديين بعيداً عن أراضي السعودية.

ورغم أن الرياض اتخذت منذ بدء العام الماضي إجراءات عدّة تستهدف الحد من مشاركة مواطنيها في أعمال القتال، حيث أصدرت تشريعات تعاقب على هذه المشاركة، كما أصدرت قائمة لتصنيف بعض التنظيمات العاملة في سوريا على أنها إرهابية، إلا أن غالبية هذه الإجراءات بقيت حبراً على ورق، فعلى الأرض لم يتغير شيء، حيث ما زالت قوافل «الجهاديين» السعوديين تصل إلى الأراضي السورية مروراً بتركيا، وكأنّ شيئاً لم يكن. وليس لهذا سوى أحد تفسيرين، إما أن الرياض عاجزة عن تطبيق التشريعات التي تصدرها، وإما أنها لم تكن جادة في الإجراءات التي اتخذتها.

ومن غير المستبعد أن تكون الأمور خرجت عن سيطرة الاستخبارات السعودية لعدة أسباب، منها ازدياد قوة بعض الفصائل المتشددة واستغنائها عن الدعم الخارجي، وبالتالي تمردها على إملاءات بعض أجهزة الاستخبارات المؤثرة، ومن ضمنها الرياض، ومنها التباين بين أجنحة الحكم السعودي حول السياسة الواجب اتباعها تجاه كل من سوريا والعراق، واستمرار بعض هذه الأجنحة في الرهان على دعم الفصائل الإسلامية، أو على الأقل العمل على عدم إضعافها، لإبقاء دمشق وبغداد تحت وطأة الاستنزاف. وأخيراً لا يخفى أن بعض الفصائل المتشددة لديها حلم قديم بالوصول إلى الأراضي السعودية، ومحاولة السيطرة على الأماكن المقدسة فيها، وعلى رأس هذه الفصائل يأتي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»- «داعش»، الذي بالإضافة إلى «الحلم»، لديه ثارات كثيرة مع السلطات السعودية بسبب دعمها «صحوات» العراق ضده.

ويبدو أن السلطات السعودية لم تتعلم من الدروس السابقة، خصوصاً درس أفغانستان، لأن سياسة تصدير المتطرفين ترتد عليها في كل مرة، ويعود المتطرفون الذين عملت على التخلص منهم لتهديدها بعد اكتسابهم المزيد من الخبرات العسكرية والقتالية. وفي هذا السياق، فإن حادثة عرعر تحمل العديد من المؤشرات، ليس على فشل السياسة السعودية وحسب، بل على انقلابها ضدها، وبالتالي تزايد احتمالات تعرضها للمزيد من الهجمات مستقبلاً.

والمثير للانتباه، أن أحد منفذي الهجوم على المنفذ الحدودي في عرعر بين السعودية والعراق، هو من «المقاتلين» السعوديين الذين غضّت المملكة طرفها عن «نفيرهم» إلى سوريا للمشاركة في القتال فيها. حيث نجح أبو ذر الشلاحي، وهو سعودي الجنسية، في الانتقال إلى سوريا، برغم أنه من المعتقلين السابقين في سجن حائر، كما أنه ممنوع من السفر بموجب قرار رسمي. وشارك في سوريا في القتال على مدى أشهر طويلة، خصوصاً في مدينتي حمص والرقة، الأمر الذي أتاح له اكتساب مهارات قتالية جديدة، وذلك قبل أن ينتقل إلى العراق لتنفيذ مهمة محددة هي تنفيذ عملية عرعر مع ثلاثة آخرين، عرف من بينهم أبو فجر الشمري، السعودي الجنسية كذلك.

ومن المعروف عن أبي ذر أنه كان من رؤوس حملة «فكوا العاني» التي تستهدف المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السعوديين، كما أنه أحد أبرز المنشدين، وله قصائد عديدة تتضمن تحريضاً ضد السلطات السعودية. وقد يكون «داعش»استغل هذه الناحية لاختيار الشلاحي ليكون الانتحاري الأول الذي يستهدف السعودية باسم «دولة الخلافة».

ولكن، بالرغم من أن بوادر انقلاب السحر على الساحر قد بدأت تباشيرها بالظهور بشكل واضح، وبدأت المؤشرات على فشل السياسة السعودية تتزايد، والأهم أن هذه السياسة أخذت تشكل خطراً على المملكة نفسها جراء تزايد العمليات التي تستهدفها، إلا أن كل ذلك لم يشكل دافعاً لسلطات الرياض كي تعيد النظر في سياستها، وهذا ما يعزز من فرضية أن الخلل يتعلق ببنية الحكم السعودي والترهل الذي أصابه وعدم قدرته على فرض قراراته.

ومما له دلالته في هذا السياق، أنه بعد ساعات فقط من تنفيذ عملية عرعر، وصلت إلى سوريا قافلة جديدة من «الجهاديين» السعوديين بقيادة عبد الرحمن القويعي وجمال الأسلمي. والغريب أن الأخيرين تمكنا من الخروج من السعودية، برغم أنهما من العائدين إليها بعد مشاركتهم في القتال قبل حوالي سنتين، حيث تشير المعلومات إلى أن القويعي والأسلمي دخلا إلى سوريا بداية العام 2012، حيث انتسبا إلى «حركة أحــرار الشــام» وقاتلا ضمن صفــوفها قبل أن يعودا إلى بلادهــما أواخر العام ذاته. وقد رجعا قبل عدة أيام إلى سوريا منتسبين هذه المرة إلى «الدولة الإسلامية».

وليست هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها أحد العائدين إلى السعودية من التوجه مرة أخرى إلى سوريا، الأمر الذي يطرح تساؤلاً تلقائياً: إذا كانت السلطات السعودية تعجز عن فرض رقابة على انتقال هؤلاء المعروفين بمشاركتهم بأعمال إرهابية بحسب قوانينها هي، فماذا يمكنها أن تفعل مع سواهم ممن ليس لديهم سوابق أو لا تحوم حولهم أي شبهات؟
رایکم