۲۱۵مشاهدات
عندما وجه الكاردينال الماروني بشارة الراعي من البقاع تحية مشتركة الى الجيش والمقاومة، لم تكن كلماته «زلة لسان»، فما يدركه البطريرك ويعرفه الجميع دون استثناء، ان التعاون الامني والعسكري بين المؤسسة العسكرية وحزب الله نجح في وضع لبنان خلال العام المنصرم على «لائحة» «الضيوف الكبار» في الحملة على مكافحة الارهاب بعد ان كان مقدرا له ان يكون جزءا من «لائحة الطعام». فكيف تم ذلك؟ وهل انتهت المخاطر الارهابية المحدقة بالبلاد؟
رمز الخبر: ۲۴۹۳۱
تأريخ النشر: 01 January 2015
شبكة تابناك الإخبارية : اوساط سياسية متابعة عن كثب لهذا الملف، تشرح هذه المعادلة بالقول، ان ما كان مخططا للبنان هو التحاقه بموجة «المد» التكفيري الذي اجتاح سوريا ثم العراق في حزيران الماضي، وكان مقدرا له ان يكون ساحة «جهادية» رئيسية وجزء من امتداد «الخلافة الاسلامية» المزعومة، وهذا المشروع لم يسقط مع افشال الجيش لهجوم عرسال في مطلع شهر آب، بل من خلال تراكم نجاحات الجيش اللبناني في تفكيك الكثير من الخلايا الإرهابية «النائمة» داخل البلاد، وهذا لم يكن لينجح ايضا لولا نجاح حزب الله في تغيير قواعد «اللعبة» على الحدود اللبنانية السورية. فهذه القوى فقدت الزخم المعنوي واللوجستي الذي كانت تؤمنه المجموعات المسلحة على كامل الحدود السورية التي كانت بمعظمها تحت سيطرة المعارضة، وهذا ما اطلق يد المؤسسة العسكرية للتحرك بحرية كبيرة على الساحة الداخلية.

طبعا هذا التبدل في قواعد «اللعبة» دفع ايضا تيار المستقبل تضيف الاوساط الى التخلي عن رهاناته السابقة باستغلال المجموعات السلفية واستخدامها «كسلاح» تستنزف به حزب الله، وانتقلت مع نهاية العام الى الضفة الاخرى، بتبني نهج الحوار المباشر مع حزب الله، والتحقت في توقيت لم تكن تريده في الحرب على «الارهاب» واضطرت الى التخلي تباعا عن كل الشخصيات والمجموعات المسلحة التي كانت تغطيها «بمظلة» سياسية ومذهبية منعت في السابق الاقتراب منها، ولكن تغيير «الظروف الواقعية» اسقطت الكثير من المحرمات، ووجد «المستقبل «الفرصة «سانحة للتخلص من عبء هؤلاء بعد ان انتهت وظيفتهم، وعادت الى الواجهة نغمة «التنظير» «بالاعتدال»، بعد ان باتت استراتيجية الحرب على «الارهاب» عنوانا براقا واكثر جاذبية بعد تبنيه من مختلف القوى الاقليمية والدولية. وفي الخلاصة نجح هذا التكامل الامني والعسكري بين الجيش والمقاومة في تغيير «قواعد اللعبة» وبات لبنان في موقع قوي على «الطاولة» بعد ان سبق الجميع في اعلان الحرب على الارهاب ونجح في تفكيك جزء كبير من «بيئته الحاضنة». فكيف تم ذلك؟

بحسب تلك الاوساط، فان استراتيجية المواجهة انقسمت الى قسمين، الجزء الاول في الأشهر الستة الأولى من العام حيث تم اعتماد استراتيجة الاستيعاب لظاهرة الارهاب بعد ارتفاع موجة الهجمات الانتحارية، قبل الانتقال في الاشهر المتبقية من السنة الى استراتيجة الهجوم، التي تضمنت عمليات عسكرية مباشرة على الحدود وخارجها، وملاحقة رؤوس المجموعات الامنية للارهابيين داخل سوريا وفي لبنان.

لكن ما غير في المعطيات ليس سلسلة التوقيفات التي شملت مؤخرا سجى الدليمي، الزوجة السابقة لقائد «داعش« أبو بكر البغدادي، او تمكن عناصر المخابرات في الجيش اللبناني من اعتقال محمود أحمد أبو عباس في مجدل عنجر، في البقاع والذي ساهم في نقل انتحاريين وسيارات مفخخة من القلمون السوري إلى لبنان، وتسربت معلومات ايضا عن تورطه في عملية اغتيال الوزير محمد شطح، او ما حصل قبلها من اعتقالات لارهابيين متورطين باعداد وتفجير السيارات المفخخة بدءا بنعيم عباس مرورا بقتل موزع الاحزمة الناســـفة منذر الحسن، وصولا الى توقيف الارهابي احمد ميقاتي في عاصون في الضنية، بل نقطة التحول كانت على حدّ قول الاوساط، في التوسع في الملاحقات النوعية التي ادت الى توقيف عدد من الشخصيات السلفية كالشيخ عمر بكري وحسام الصباغ الذي يرأس مجموعة مسلحة في طرابلس، وجعفر الشهال، نجل الزعيم السلفي الشيخ داعي الإسلام الشهال الذي سطرت بحقه مع الشيخ بلال دقماق مذكرة توقيف غيابية، والاثنان اليوم باتا خارج البلاد، اي اقصيا عن المشهد السياسي والامني. وهذا كان «رسالة» بالغة الدلالة الى تلك «البيئة الحاضنة»، وما كان هذا الامر ليتم لولا نجاح حزب الله والجيش اللبناني في خلق بيئة امنية مؤاتية، اجبرت تيار المستقبل على التراجع، ودفعت بهذه التيارات الى «الاذعان» للامر الواقع والدخول في مرحلة «تخفيف الخسائر». وهذا ما يفسر رد الفعل «المتواضع» إثر الاشتباكات التي وقعت في شهر تشرين الأول بين الجيش اللبناني ومجموعة شادي المولوي واسامة منصور في طرابلس، والمواجهات مع مجموعة الشيخ خالد حبلص في بلدة بحنين في منطقة المنية. لكن هل انتهت المعركة؟

طبعا لا تجيب الاوساط، لكنها اصبحت اقل تعقيدا، واكثر مقبولية عند شرائح لبنانية واسعة، وبحسب تلك الاوساط، فان الاسابيع والاشهر المقبلة ستشهد ارتفاعا في منسوب العمليات الامنية الاستباقية في الداخل اللبناني، مع تحسب للجوء هؤلاء الى عمليات انتقامية على الساحة اللبنانية، واذا كان الاهتمام منصبا على مراقبة التطورات على الحدود وباتجاه عرسال، فان «العين الامنية « اليوم مفتوحة على اكثر من منطقة، واذا كانت المخاطر الكبيرة قد جاءت في الفترات الماضية من منطقة الشمال، فان البقاع مرشح ليكون في «عين العاصفة» في المرحلة المقبلة، بعد ان ساهم توسع نفوذ تنظيم داعش في القلمون، وقرب سيطرته على معاقل المجموعات المسلحة عبر « المبايعة» او بالقوة، في استعادة المعنويات المنهارة للخلايا النائمة المرشحة للتحرك لملاقاة اي مخطط «داعشي» على المقلب الاخر من الحدود.

وبحسب المعلومات فان اعتقال محمود ابو عباس، وهو من مجدل عنجر، دفع الاجهزة الامنية الى اعادة «نفض الغبار» عن ملفات الكثير من «الجهاديين» السابقين من ابناء هذه البلدة وغيرها من قرى الجوار، فمن المعروف ان «هوى» هؤلاء «داعشي» وهم تنفسوا الصعداء مع هيمنة مجموعة «الدولة الاسلامية» على القلمون، وهذا الامر ليس بجديد بعد العام 2003 اختفى عشرات من شبان المنطقة، تبين لاحقا أنهم توجهوا «للجهاد» في العراق ضد الغزو الأميركي بالتنسيق مع «أبو مصعب الزرقاوي»، الأب الروحي لـ «داعش«، وقد كشفت التحقيقات مع أبو عباس عن عودة «الفعالية» للجيل القديم ودوره في استقطاب عدد كبير من الشبان الذي بايعوا «ابو بكر البغدادي» وذهبوا الى مناطق «الدولة» للجهاد هناك، اما اليوم فباتت حدود هذه الدولة على «مرمى حجر».

اذا نجح هذا التعاون الامني والعسكري بين الجيش والمقاومة في تقليص المخاطر الارهابية، وحد كثيرا من التفجيرات الانتحارية، وفكك الكثير من الخلايا والمجموعات المسلحة، لكن التحدي يبقى كبيرا في المرحلة المقبلة، ويحتاج الى اجراءات سياسية وامنية وعسكرية، فتنامي الفكر السلفي المتطرف بعدما فقدت السلفية التقليدية «مصداقيتها»، سيدفع الجهات المعنية بهذا الملف لاطلاق حوارات جدية مع التيار السلفي التقليدي غير السياسي، والتيار الناشط في الحقل السياسي، بينما سيتم التوسع في الحملة على التيار السلفي»العنفي». اما السيطرة الكاملة المفترضة لـ «داعش» على المنطقة الجردية الفاصلة في القلمون، فهو سيخلق واقعا جديدا على الارض، وسيفرض على المعترضين داخل الحكومة على التعاون مع الجيش السوري على تغيير مواقفهم، وليس مستبعدا دخول «التحالف الدولي» على خط اقناعهم بذلك، اما امنيا فستشهد الحرب الاستباقية نقلة نوعية لمنع الاختراقات الداخلية، وهذا يعني ان 2015سيكون عام التكامل بين المؤسسة العسكرية وحزب الله لاتمام المهمة المشتركة في مكافحة الارهاب.
المصدر : الديار
رایکم