۲۵۷مشاهدات
أُعلن في مطلع هذا الشهر أنّ بريطانيا ستقوم بإنشاء قاعدتها العسكرية الدائمة الأولى في الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الماضي. وستشكل هذه القاعدة البحرية القائمة على مرفأ ميناء سلمان في البحرين مكسبا للبحرية الملكية وجهودها المبذولة لإدارة الممرات البحرية المهمة من الناحية الاستراتيجية (والتجارية) في الخليج. ولكن على الرغم من أهمّية هذه القاعدة، لا ينبغي المغالاة في تقدير دلالاتها.
رمز الخبر: ۲۴۹۱۳
تأريخ النشر: 31 December 2014

شبكة تابناك الإخبارية : ظاهريًا، قد يفاجئ خبر عودة بريطانيا إلى الشرق الأوسط البعض. في العام 1968، أعلنت حكومة حزب العمال التي كان يترأسها هارولد ويلسون عن نيّتها الانسحاب من "شرق عدن" (في الواقع، كانت القوّات البريطانية قد أجبرت على الانسحاب من عدن نفسها، بطريقة مخزية، في العام 1967 في أعقاب انتفاضة محلّية)، وكان ذلك ردًّا متأخّرًا على تراجع تأثير بريطانيا على المستوى العالمي ووضع المملكة المالي المريع. وتزامنًا مع الانسحاب الاستراتيجي، باتت بريطانيا تعتمد على التعاون مع دول الكومنولث أكثر فأكثر-وبالطّبع مع الولايات المتحدة أيضًا-لضمان الأمن في منطقة المحيط الهندي من الخليج إلى مضيق ملقا. والآن، مع استعداد لندن لإعادة إنشاء قاعدة دائمة، هل يعني هذا عودة النفوذ والحزم البريطاني في المنطقة؟

في الواقع، لم تغب بريطانيا أبدًا عن ساحة الشؤون الإقليمية، على المستوى العسكري على أقل تقدير. فعلى سبيل المثال، منطقتا القاعدة السيادية أكروتيري ودكليا هما منطقتان معزولتان على جزيرة قبرص وقد بقيتا تحت الحكم البريطاني العسكري منذ العام 1960- وهما تشكّلان نقطتي انطلاق حيويتين للقوات الجوية، والبحرية، والبرية التي تحرص على رصد أي تطورات أمنية في الشام، وحول قناة السويس، والخليج أيضًا.

في البحر، لطالما حافظت البحرية الملكية -التي لا تزال من أكبر الأساطيل البحرية وأقواها في العالم-على حضورها الفاعل في المنطقة: في الثمانينيات والتسعينيات، أرسلت لندن ما يسمّى بـمجموعة آرميلا للحراسة البحرية لضمان الأمن البحري في الخليج وبحر العرب-ولم يتم تعزيز هذا الالتزام إلّا خلال فترة الحرب في أفغانستان والعراق. وقد لعبت بريطانيا دورًا رائدًا في محاربة أعمال القرصنة قبالة ساحل القرن الإفريقي. وتربط مثل هذه الجهود بين مصلحة قومية خاصة في الحفاظ على تدفّق التجارة البحرية والتزامٍ ذي طابع دولي للمساعدة في حماية المصالح المشتركة العالمية.

وبشكل خاص، لقد أخذت البحرية الملكية على عاتقها مهمّة خاصّة في الحفاظ على الأمن البحري في الخليج من خلال إمداد حلفائها بأسطولٍ مُخصص مؤلّف من أربع كاسحات ألغام، الهدف منها حراسة الخليج والبقاء على استعداد في حال حاولت أي قوّة إقليمية -وتعتبر إيران المشتبه ب المعتاد- تعطيل النقل البحري. ويعتبر صيد الألغام حاليًّا مساهمة طويلة الأمد نوعًا ما من قبل المملكة المتّحدة في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وهي مساهمة يقال إنّ حلفاء بريطانيا، والقوى الإقليمية، والدول التّجارية يقدرونها كثيرًا.

من نواحٍ كثيرة، لم تغادر بريطانيا الشرق الأوسط على الإطلاق. ويكمن الفرق في أنّ دور لندن في المنطقة-الذي من الواضح أنّه تقلّص كثيرًا منذ مجدها الإمبراطوري- بات الآن ينفّذ من خلال الحوار مع الشركاء. ويشمل هذا الأمر شركاء كالبحرين. وفي حين يعاني سجل حقوق الإنسان والحريات السياسية في البحرين من عدم تحقيق الكثير من المطالب المُحِقة، كان نظام هذه الدولة الخليجية ذو التوجّه الغربي، حليفًا استراتيجيًّا يمكن الاعتماد عليه إلى حدٍّ ما في تحقيق خطط الغرب لأمن الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف البحرين الأسطول الأمريكي الخامس؛ كما أنها عضو في مجلس التعاون الخليجي (وهو موازن خفي لنفوذ إيران في الخليج)؛ وقد شاركت مؤخّرًا في الهجمات العسكرية ضد تنظيم داعش.

لدى المملكة البحرينية الكثير من المكاسب لتُحصلها من تعاونها الأمني مع القوى الخارجية. وكونها مناوئة منذ زمنٍ بعيد لمطامع إيران في الهيمنة على الخليج، تقبل البحرين بالدّعم الغربي (وتستضيف العسكريين الغربيين) جزئيًا بسبب رغبتها في الحد من هيمنة طهران-فضلًا عن الحد من نفوذ الأغلبية الشيعية في البحرين. لذلك، في حال شكلت القاعدة البريطانية الجديدة، والقاعدة الأمريكية الموجودة في الأصل في البحرين دليلًا على "عودة الإمبراطورية"، فلا يمكن اعتبارها إلّا ما أشار إليه جير لينستاد، أي  "إمبراطورية بناء على دعوة" -وهي  مناورة يستخدمها نظام آل خليفة الحاكم لتعزيز وضعه الأمني الخارجي والداخلي.

وعلى الرغم من أن عودة بريطانيا إلى البحرين تشكل خبرًا يخطف الأضواء، إلا أنه لا ينبغي المبالغة بشأنها. فإنّ القاعدة في ميناء سلمان ستخفض تكاليف المعاملات التجارية للأسطول البحري البريطاني في الخليج ولكنّها لن تغيّر دور بريطانيا، الكبير أصلًا، في المنطقة. ولن تغيّر، بشكل أساسي، الجغرافيا السياسية الأوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. وبدلًا من ذلك، لا بد من اعتبار القاعدة الخطوة الأحدث في سلسلة من خطواتٍ كثيرة تهدف إلى مراقبة الهيمنة الإيرانية-اليوم وفي المستقبل-والحفاظ على الأمن البحري في أكثر الساحات حيويةً.

رایکم
آخرالاخبار