۳۰۵مشاهدات
هناك تجربتان اسلاميتان غريبتان في عالمنا الاسلامي، أحدهما في كوالالمبور والأخرى في أنقرة، قدمتا خلال العقود الثلاثة الماضية نموذجاً فريدأ في الصعود المفاجئ وسط صمت الغرب أزائه، بل وحتى مباركته.
رمز الخبر: ۲۴۴۳۸
تأريخ النشر: 20 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : بالطبع لا أريد القول بأن هذه النماذج الاسلامية عميلة ومرتهنة وفق نظرية المؤامرة، بل أود التأكيد بأن الغرب وبالتحديد المركز الرأسمالي العالمي ـ حسب نظرية المركز والأقمار ـ لم يضع بوجهها معوقات ومشاكل كما تعامل مع نماذج تنموية وتجارب سياسية أخرى، بل ساعدها على الظهور والنماء والديمومة والبقاء.. ترى لماذا فعل ذلك؟ هل لأنه لم يتلمس فيها خطراً يتهدده، وتهديداً لمتبنياته ومصالحه.. او لاشتراكها معه في الكثير من المنطلقات والرؤى؟!
ظهور الاسلاميين في تركيا الصلدة علمانياً حتى 1983 والتي شهدت تجربة اسلامية مقتضبة قبل 2003، والتي ـ ايضاً ـ يؤكد اسلاميوها على التمسك بمؤسس نظامها العلماني الحديث مصطفى كمال باشا (أتاتورك) لم يكن مفاجئة للغرب والناتو الذي يعتبر تركيا من أهم مواقعه جنوب روسيا وخطه الأمامي في الجبهة الشرقية لأوروبا والبلقان.. هذا الموقع الذي يخزن فيه اكثر من 70 قنبلة نووية من نوع B61B61-12 وبأستطاعة تركيا استخدام ما يقرب عشرين منها مباشرة حسب مجلة ( Atomic Scientists ) الأميركية.
وأعتقد ان عملية ظهور الاسلاميين في تركيا مدروسة ومسيطر عليها بواسطة مؤثرات وعوامل متعددة، في داخل تركيا وخارجها، وحتى من داخل الاسلاميين وأنفسهم.. ومن هذه العوامل أذكاء الصراع بين حزب "العدالة والتنمية" بزعامة الرئيس التركي (السلطان رجب طيب أردوغان) وحركة "خدمة" التي يتزعمها (الشيخ محمد فتح الله كولن ـ او غولن ـ) والذي اختار منفاه منذ 1999 في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية...
غولن وهو من مواليد "أرض روم" عام 1941 والذي يعرف بـ"أب الاسلام الاجتماعي في تركيا" يمتلك امبراطورية واسعة ومترامية الاطراف داخل تركيا وخارجها، في أميركا وأوروبا وغرب أفريقيا وفي آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان، من مدارس ومراكز تعليمية وثقافية ومرافق خدمية ووسائل اعلامية مختلفة ومشاريع تجارية واستثمارية ضخمة، يعتبر نفسه الشيخ غولن من أتباع الزعيم التركي (الكردي الاصل) محمد سعيد النورسي، صاحب "رسائل النور" الشهيرة والمعروف ببديع الزمان نور الدين(1877 ـ 1960) والذي قام مشروعه الاصلاحي على "تحويل ايمان الناس من مجرد ايمان تقليدي موروث الى ايمان حقيقي مشهود"، بل انه الممثل الوحيد له على مستوى الفكر والطموح..
يركز غولن على العمل الاجتماعي التربوي خلافاً لتيار الاسلام السياسي الذي تزعمه نجم الدين أربكان في حزب الفضيلة الذي تم حظره عام 1997 والذي انشق عنه حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وعبد الله غول.
الشيخ غولن وحركته التي يقال انها تملك مليون عضو وملايين الأنصار والمتغلغلة في شتى مرافق الدولة التركية، كما هو الحال بالنسبة لحزب السلطان أردوغان، خليط من الأفكار القومية (بان تركيسم) والعلمانية والاسلامية، لكنه يعتبر أكثر ميلاً نحو الفكر الأتاتوركي من العدالة والتنمية، ويركز على:
1. وحدة الممالك الناطقة بالتركية، بل وتحويل بعض المناطق الأخرى اليها كما تسرب من حديثه حول اوزبكستان وضرورة تتريكها!
الأمر الذي أدى الى أزمة دبلوماسية بين البلدين خلال حكومة الراحل مصطفى بولنت أجويت.
2. عدم اعتبار المنطقة العربية وايران مجالا حيوياً لتركيا، والتركيز على العلاقات مع أوروبا وأميركا وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان.. وهذه النقطة تعتبر من أهم مبادئ سياسة أتاتورك الخارجية.
3. هيمنة العنصر الطوراني في الداخل حتى لو أدى ذلك الى تضييع حقوق الأقليات الأخرى كالاكراد والأرمن والعرب، ومعروف تسريبه للقاءات "هاكان فيدان" مدير المخابرات التركية مع حزب العمال الكردستاني في أوسلو مما أدى الى استدعاء فيدان من قبل القضاء في 2012.
4. معارضة مبدأ تطبيق الشريعة في الدولة، لقوله ان الأحكام العامة في التشريع تشكل مساحة ضئيلة في مقابل الأحكام الفردية.. وبالتالي يصبح الاسلام مسألة فردية واجتماعية لاترتبط بنظام الحكم وادارة الدولة، بأختصار يقول بالفصل التام بين الدين والسياسة.
5. الانفتاح على الغرب وتبني مشروع مكافحة الارهاب (الاسلامي) والتعاون مع العدو الصهيوني وعدم اثارة المشاكل معه لصالح العرب والفلسطینیین، بل ذهب أبعد من ذلك الی اتهام حكومة العدالة والتنمیة بالتسبب في حادثة سفینة مرمرة عام 2010 ومقتل 19 ناشطاً منهم 9 اتراك علی ید القوات الصهیونیة ...
یعتبر فتح الله غولن وحركته الحاضنة الاجتماعیة للتحرك الاسلامي في تركیا، وهكذا یعتقد كثیرون من ان احتتضانه لحزب العدالة والتنمیة والذي استمر التعاون بینهما حتی 2008 وظهور مسألة "أرغینیكون" الی العلن هو الذي أدی الی نجاح الحزب في الوصول الی السلطة واجراء برنامجه الاقتصادي والسیاسي، وانه الیوم يشكل التحدي الأساس الذي یواجهه أردوغان وحزب العدالة والتنمیة، بسبب قدرته ـ أي غولن ـ في التأثیر علی الأوضاع والرأي العام الداخلي والغربي ووجود امتدادات ونفوذ له في القضاء والشرطة والجیش والمخابرات، مع ان هذا النفوذ في السلطة كان بضوء أخضر من العدالة والتنمیة بدایة استلامها السلطة ...
وفیما یری البعض ان غولن یشكل الكابح لطموحات السلطان أردوغان في هیمنة حزبه علی المرافق الرئیسیة في السلطة، وخاصة القضاء والجیش والأمن والحيلولة دون تطبيق ميوله الدكتاتورية ونزعته السلطانية التي تجاوزت حتى حدود تركيا، یعتبره آخرون ورقة أميركیة للضغط علی حكومة أنقرة حول العدید من الملفات الخلافیة بینهما وفي مقدمتها عدم استيعاب الرؤية الأميركية فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها الوضع السوري والأوضاع في القوقاز.. بينما یذهب فریق ثالث الی ان الصراع القائم بین أردوغان - غولن والذي تغذیه الدوائر الغربیة، یهدف الی تقسیم تركیا في المنظور البعید من خلال اضعاف المؤسسات العلمانية بواسطة الاسلاميين ومن ثم احتراب الاسلامیین وتشظیتهم أسوة بالوضع في بلدان المنطقة الأخری والذي قد يسوق الی تحالف العدالة والتنمية مع المتشددین مقابل تحالف حركة "خدمة" مع العلمانیین القومیین ونشوب صراع یسمح للأقلیات القومیة وخاصة الأكراد بتحقیق حلمها وأقامة منظومة جديدة سايكس نترحم فيها على سايكس بيكو اللعينة!
السؤال: لماذا تعجز نخبنا (داخل اطار الدولة القومیة او ضمن حدود المنطقة والعالم الاسلامي) من التفاهم والبحث عن القواسم المشتركة وتشكيل اتحادات اقتصادية واحلاف عسكرية واقعية، بدل الضرب على نواقيس الاختلاف والاستماتة في البحث عن بؤر الصراع .. ولماذا لا یتقابل الغربیون مع بعضهم ويتقاتلون مثلنا؟!
رایکم
آخرالاخبار