۴۱۳مشاهدات
"من لا يؤمن بالخلافة، فهو كافر" المقولة ليست لداعش.. بل هي قاعدة عمرها بعمر التكفير، وظّفها السلاجقة الأتراك يوماً لتكفير كل مختلف أو مخالف لمنهجهم في بغداد وخارجها. أفسد هؤلاء الفضاء المشترك لبغداد، حيث كانت المدارس والاتجاهات الكلامية والفقهية والمذهبية كلها متعايشة. حلت المدارس النظامية بديلاً عن هذا الفضاء الرحب، ما دفع بعلماء الشيعة لترك بغداد، حيث كانت حلقات النقاش تجمعهم بنظراء لهم من فرق اسلامية اخرى، وانتقلوا إلى النجف الاشرف.
رمز الخبر: ۲۴۱۰۶
تأريخ النشر: 08 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : في أدبيات الجماعات التكفيرية ظلّت "بغداد الرشيد" حاضرة، ولذلك بُعدان: اول طائفي وآخر سياسي، منشأه "استعادة أمجاد الخلافة الاسلامية" التي يروّج لها التكفيريون. يقول أحد عناصر ما كان يُسمى بـ "الدولة الإسلامية في العراق" عام ٢٠٠٧: "بغداد عاصمة الخلافة التي بناها أسلافنا. لن نستعيدها بأيدينا بل بجثثنا وجماجمنا... وسنرفع يوماً علم الخلافة فيها". واللافت في الطروحات السياسية لهذه الجماعات استحضار الخلافة في التجربة العباسية - ولو من حيث العنوان- أكثر من اي اشارة إلى عهد الخلفاء الراشدين. يضيء مركز "بروكينغز" للأبحاث على التناقض الذي تنطوي عليه "بغداد الرشيد" بالنسبة لأيديولوجيا التكفيريين. يقول المركز الأميركي إنه لم يعرف عن الخليفة العباسي هارون الرشيد التُّقى، بل إن سيرته تحفل بحبه للسهر والسمر والشعر الذي يمدح الخمر. ويُذكّر أن بغداد في عهد الرشيد حولها إلى رمز للازهار العلمي، حيث النقاشات الفكرية التي لم تعرف قيوداً أو محرمات، كما أن مدارس عاصمة الخلافة العباسية في وقتها "سمحت بتدريس الفلسفة اليونانية"* التي تعتبرها هذه الجماعات أفكاراً وثنية كافرة.
عام 447هـ/ 1055م، دخل السلاجقة الأتراك بغداد، وأقروا مذهبهم كمذهب رسمي الدولة. وحلّت المدارس النظامية بديلاً عن المدارس المشتركة، التي عملت على تكفير الآخرين. لاحقوا العلماء المخالفين وأحرقوا المكتبات، واغلقوا مساجداً ودمروا احياء من بغداد، واتخذوا شعارات طائفية للحكم، كما استجلبوا علماء لتأييد حكمهم وتكفير الآخرين. هذه السياسات دفعت احد ابرز علماء الشيعة الشيخ الطوسي لترك بغداد باتجاه النجف الاشرف عام 448هـ/ 1056م ، لتنتقل معه الحوزة العلمية الى هناك.... دون ان يسهم ذلك في عزل المرجعيات الدينية عن مسؤولياتهم وواقعهم السياسي.
رغم معاناتهم تحت ظل الحكم العثماني، أفتى علماء الحوزة الدينية، بوجوب الدفاع عن الدولة العثمانية، وحارب الشيعة في سبيل منع انهيار السلطنة في الحرب العالمية الأولى. وقد أيدت الحوزة ثورة العام ١٩٢٠، التي ناهضت الاستعمار البريطاني، وحشدت من أجلها. وبعد احتلال فلسطين أفتى كبار المرجعية بأن الجهاد ضد "اسرائيل" مع الفلسطينيين كالجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه و آله).  كما  لعبت المرجعية الدينية دوراً مهماً في تشكيل الدستور والتأسيس لدولة عراقية جامعة لكل العراقيين، بعد سقوط نظام صدام حسين.
ليلة سقوط التهويل
بعد احتلال الموصل وانتشار داعش في محافظة نينوى في ١٠ حزيران/يونيو، أصدرت المرجعية الدينية  بياناً عبرت فيه عن قلقها من التطورات الأمنية، داعية إلى توحيد كلمة كل العراقيين، وعبرت عن دعمها للقوات العراقية.
لم تعش بغداد ليلة كسابقاتها، بعد نشر تسجيل منسوب للمتحدث باسم داعش ابو محمد العدناني، فخاطب انصار التنظيم بالقول: "وازحفوا إلى بغداد الرشيد، بغداد الخلافة فلنا فيها تصفية حساب. صبحوهم على أسوارها ولا تدعوهم يلتقطوا الأنفاس". لم يتوقف العدناني هنا، فتوعد بالوصول الى كربلاء والنجف الأشرف مستخدماً توصيفات مذهبية مقيتة.
تنقل أوساط مقربة من المرجعية الدينية في النجف الاشرف لموقع قناة المنار حالة الهلع التي عمت مناطق عديدة في العراق. نقل وكلاء المرجعية للنجف الأشرف ما عاشته المدن العراقية من حالات تسلح في صفوف الأهالي، وعمد البعض الى التخطيط جدياً للهجرة. تبلغت المرجعية ان هذه حالات الخوف عاشتها بغداد اضعافاً مضاعفة. في العاصمة من لم يعرف النوم، وغالبيتهم كانوا يبيتون مسلحين.
ولم تتوقف اتصالات القيادات السياسية والعسكرية بالمرجعية، بحسب المصادر. الانهيار العسكري في الموصل حل مادة دائمة للاعلام الذي اراد تصفية حسابات مموليه مع العراق. والتقارير الاعلامية صبت في خدمة خطاب داعش، خصوصاً تلك التي روّجت أن مقاتلي داعش باتوا على اسوار العاصمة.
ليلة الخميس-الجمعة ١٢ حزيران/يونيو، وهو يوم نشر تسجيل العدناني، تسلم المتحدث باسم المرجعية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي رسالة صيغت بحكمة من النجف الاشرف. في اليوم الثاني، تُليت الرسالة كخطبة سياسية لصلاة الجمعة التي أمّها الشيخ الكربلائي في الصحن الحسيني . تداركت المرجعية ما حصل في مدن نينوى، حيث استبق صيت توحش داعش تقدمها الميداني، ليخلي الاهالي بعض المناطق أمام التنظيم الذي سيطر دون اطلاق رصاصة.
أعلن الكربلائي موقف المرجعية، الذي احتل لاحقاً العناوين: "ان المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية"... وتابع أن "من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً".
وأضاف: "لا يجوز للمواطنين الذين عهدنا منهم الصبر والشجاعة والثبات في مثل هذه الظروف أن  يدب الخوف والاحباط" في نفوسهم.
بعد الفروغ من أداة صلاة الجمعة، تهافت المتطوعون على المراكز، وانتشرت صور لعلماء وشيوخ وشبان عراقيين ببزات عسكرية يحملون السلاح استجابة لفوى المرجعية. ومن باب الحرص على استقرار العراق وللحؤول دون ظهور تنظيمات مسلحة غير قانونية، وضّح ممثل المرجعية في كربلاء وخطيب جمعتها السيد أحمد الصافي  فتوى المرجعية. فقال ان "دعوة المرجعية انما كانت للانخراط في القوات الأمنية الرسمية وليس لتشكيل ميليشيات مسلحة خارج اطار القانون".
رفعت مواقف المرجعية الدينية من معنويات الشارع العراقي. أيام قليلة مضت وبدأت تتوالى أخبار الانتصارات التي حققها الجيش مدعوماً بقوات الحشد الشعبي. استقبلت المرجعية الدينية العليا في النجف لاحقاً احد ابرز القادة المشرفين على ادارة المعارك هناك، وضعها في اجواء الانجازات الميدانية مقراً أن لدعوى المرجعية العامل الابرز فيما تحقق.
هكذا حمت مواقف المرجعية بغداد من السقوط.. وعرت الوحش الذي ضخمه الاعلام.
المصدر : المنار
رایکم
آخرالاخبار