۴۳۸مشاهدات
رمز الخبر: ۲۴۱۰۰
تأريخ النشر: 08 December 2014
شبكة تابناك الاخبارية: تحت عنوان "يهودية إسرائيل: ماذا تعني للأردن؟؟، كتب رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري مقالة في يومية الغد الصادرة صباح الاحد، تاليا نصه:

بإقرار إسرائيل لمبدأ يهودية الدولة، تكون قد وجهت لطمة موجعة وقاسية إلى مفهوم السلام والتعاون الذي تضمنته معاهدة وادي عربة المبرمة مع الأردن في العام 1994. كما تكون قد أظهرت نواياها الحقيقية تجاه الحل النهائي للقضية الفلسطينية، بشكل لا لبس فيه، وهددت أيضا الأمن الوطني الأردني بشكل كبير، ناهيك عن الأمن الوطني الفلسطيني.

وقد كنا نعرف عن تلك الخطط والنوايا، ونحذّر منها؛ فهي ليست جديدة علينا. لكنها اليوم أصبحت سياسة رسمية معتمدة، تجاهر إسرائيل بها، وسوف تعمل على تنفيذها على أرض الواقع.

وبقدر ما يهدد هذا القرار الشعب والأرض والوطن الفلسطيني، فإنه يهدد بالقدر نفسه الأمن الوطني الأردني. فالأمن الوطني الفلسطيني والأردني متلازمان؛ يؤثر كل منهما على الآخر، سلبا أو إيجاباً.

عندما وافقت الحكومة الأردنية التي كنت أرأسها، على المشاركة في مؤتمر مدريد المنعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1991، اتخذ مجلس الوزراء القرار رقم 877 بهذا الشأن، بتاريخ 19/ 10/ 1991. وكان البند الأول في القرار ينص على موافقة الأردن على حضور المؤتمر بناء على أسس عديدة، أولها "حماية مصالح الأردن العليا، ودفاعه عن أمنه ومستقبل أبنائه، وإدراكاً منه لأبعاد المسؤولية وأمانة الحكم في هذه الظروف المصيرية". أما البند الرابع من القرار، فنص على "تأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة العام 1967، بما فيها القدس الشريف، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".

وبتبني إسرائيل مبدأ يهودية الدولة، تكون "مصالح الأردن العليا" قد تضررت، وتأثرت إمكانات دفاعه عن "أمنه ومستقبل أبنائه"، لأن "يهودية الدولة" تعني الأمور التالية:

1 - بدء العد العكسي لبناء الهيكل الذي يزعم الإسرائيليون أنه موجود تحت الحرم القدسي الشريف.

والهيكل بالنسبة لهم الرمز الأساسي لأرض إسرائيل، "أرض الميعاد"، وبناؤه إعلان عن أن مملكة إسرائيل التوراتية الموعودة قد قامت من جديد، بل ولا تكتمل الدولة في نظر اليهود إلا ببناء الهيكل. وكل مستلزمات الهيكل الدينية متوفرة وجاهزة عند الحاخامات والدولة، ولن تعطل اتفاقية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس خطط إسرائيل لبنائه.

2 - إن حل الدولتين انتهى بالنسبة لإسرائيل، وقد اغتالته عن سابق إصرار وتخطيط. وبالتالي، فإن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، أصبح أمراً مبتوتاً فيه عندهم؛ فكل الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، خاصة تلك التي تمت مؤخراً من قبل بعض الدول الأوروبية، لا قيمة لها وليس لها أي اعتبار عند إسرائيل.

3 - تعي إسرائيل، منذ زمن بعيد، مشكلة الديموغرافيا التي لا تسير لصالحها. وحيث إنها قضت على حل الدولتين، فإنها أيضاً ليست بوارد القبول أو التعامل مع حل الدولة الواحدة ثنائية القومية.

4 - إسرائيل تخطط للتعامل مع الحل الثالث. فهي محتلة لكل أراضي فلسطين التاريخية، وتقضم الأراضي بتخطيط وإصرار. والعقبة الرئيسة أمام خططها لإقامة دولتها المزعومة على كل أراضي فلسطين، هم السكان؛ إذ إن تعداد الفلسطينيين مقارب لعدد اليهود. وتنتظر إسرائيل الظروف المواتية والتوقيت المناسب لها، لكي تتخذ إجراء يهجر السكان من أراضي 48 و/ أو من الضفة الغربية. لكن هؤلاء الفلسطينيين مصرون على البقاء في أرضهم ووطنهم، ولن تكون عملية تهجيرهم أو "الترانسفير" سهلة، وقد أثبتوا (سواء في أراضي 48 وفي أراضي 67) أنهم لن يغادروا أرض فلسطين مهما حصل، فهم ملتصقون بأرضهم بالرغم من التضييق عليهم بشكل مرعب وغير إنساني. كذلك، فإن الأجواء الدولية لم تعد تسمح بذلك.

إن تداعيات "يهودية الدولة" على الأردن ستظهر في الأفق، وسوف تزيد من التوترات والصعوبات والمشاكل الداخلية. وقد تكون هذه التداعيات أعمق وأخطر من تداعيات اللجوء السوري، ومن التطرف الديني الذي بدأ يخترق مجتمعنا الأردني. كما أن إسرائيل سوف تؤجج بنفسها هذه التداعيات، حتى تتمكن من تنفيذ مخططها بعيداً عن انتباه المجتمعات. وتأجيج الصراعات الداخلية أمر تمارسه إسرائيل في ساحات كثيرة، وهي تمتلك الأدوات والخبرة لذلك.

وسوف تزيد اتفاقية استيراد الغاز مع إسرائيل، والمنوي توقيعها قبل نهاية العام الحالي، من تأجيج الحساسيات والمعارضة الداخلية للتعامل مع إسرائيل مع بدء تنفيذ وترسيخ إجراءات يهودية الدولة، والاستيلاء والسيطرة على الحرم القدسي الشريف، والإجراءات القمعية التي يمارسها الإسرائيليون في القدس. ويبدو لي أن الدولة الأردنية استشعرت هذه النوايا الإسرائيلية مبكراً، فاستبقت ذلك بإجراء بعض "الإصلاحات" الداخلية التي لم يعلن عن سبب إجرائها أو الحاجة إليها، وذلك تحوطاً لنوايا إسرائيل.

إن هذا التوصيف ليس مبالغة أو تهويلاً، بل هي سياسات إسرائيلية معلنة بشكل واضح، وموجودة في أدبياتهم حتى قبل قيام إسرائيل. وها نحن نرى أن ما يحدث في الوطن العربي من تخريب وسفك دماء، ومن تفتيت للدول على أساس طائفي وإثني، ما هو إلا خدمة لذلك المخطط الشرير.

أعلم أن الأحداث أكبر منا، وأننا لا نستطيع وحدنا التصدي لإيقاف وإفشال هذا المخطط، بالرغم من جهود جلالة الملك عبدالله الثاني الجبارة للتصدي له. وأعتقد أن زيارة جلالة الملك الحالية لواشنطن ستكون من أهم زياراته؛ فقرار إسرائيل الأخير، بتبني يهودية الدولة، قلب الوضع في المنطقة بأسرها.

لكننا نستطيع، بل من واجبنا، القيام بأقصى جهد ممكن، والعمل على تجييش الدبلوماسية العربية والإسلامية، ووضع العرب والمسلمين أمام مسؤولياتهم القومية والدينية؛ وذلك بالدعوة إلى اجتماعات قمة طارئة، على مستوى المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، ولجنة القدس، وما إلى ذلك من مؤسسات ذات صلة. كذلك، يجب علينا إيجاد أنجع الوسائل العملية لمساعدة الأهل في فلسطين للصمود على أرضهم؛ فهم أمضى سلاح لدينا للحفاظ على الأمن الوطني الأردني، بصمودهم وبقائهم في أرضهم.

وتبقى الخطوة الأهم هنا متمثلة في العمل على تحصين جبهتنا الداخلية؛ ذلك أن تماسكها هو الذي يحمي الوطن، فيما تفككها هو الذي سيحقق للعدو أهدافه. وقد أصبحت المراجعة الذاتية الداخلية لكل سياساتنا الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، في هذه المرحلة الحرجة، أكثر من ملحة. وأصبح أمر التوافق الوطني وتحديث إدارة الدولة وتوسيع قاعدة المشاركة في القرار، من أهم عناصر الإصلاح السياسي. وهي الأفكار التي دعوت لها مراراً وتكراراً.

النهاية
رایکم