۲۸۰مشاهدات
لقد حوّل ناصر بن حمد البلاد يوم أمس السبت 6 ديسمبر 2014 إلى ساحة لعب كبيرة، لا مكان فيها لغير دراجاته الهوائية، وزارة الداخلية الموظفة إلى مقام سموه، أخلت الشوارع من كل أشكال الحياة بكل طوارئها وضرورياتها وملحّاتها، لأن ابن الملك اختار هذا اليوم ليركض في الشارع.
رمز الخبر: ۲۴۰۶۵
تأريخ النشر: 07 December 2014
شبكة تابناك الإخبارية : أضيق البلدان، هي بلد مَلِكُها مالكها بمن عليها.

البلدان التي قبلت لنفسها أن تكون مملوكة لعائلة، تصير مزرعتها الخاصة، ومكاناً فجّاً لتحقيق نزواتها السطحية، ورغباتها الأنانية المحضة. لا بأس من أجل تحقيق نزوة خاصة لصبي من صبية هذه العائلة، أن تُشل الحياة في كامل البلاد، وأن تتعطل حركة السير والمرور ساعات طويلة، ويقطع المسافرون مئات الأمتار نحو المطار مشياً، وتتأجل رحلات السفر لساعات، ويؤجل دفن الموتى، ولا يصل مرضى الحالات الطارئة إلى المستشفيات، لا بأس من كل ذلك، ما دام ابن (مالك) البلاد، سوف يبلغ ذروة متعته في لعبة محببة إليه. أما المواطنون فهم خدم لابن سيد القبيلة، عليهم أن يصفقوا له طويلاً فيما هو يلعب ويشجعوه، وممنوع عليهم أن يتنفسوا اعتراضاً أو نقدا.

لقد حوّل ناصر بن حمد البلاد يوم أمس السبت 6 ديسمبر 2014 إلى ساحة لعب كبيرة، لا مكان فيها لغير دراجاته الهوائية، وزارة الداخلية الموظفة إلى مقام سموه، أخلت الشوارع من كل أشكال الحياة بكل طوارئها وضرورياتها وملحّاتها، لأن ابن الملك اختار هذا اليوم ليركض في الشارع.

في مساء اليوم نفسه، توجيهات رسمية جرى تعميمها على جميع الصحف الرسمية: "لا أحد ينشر أي شيء عن التعطيل الذي حدث صباح اليوم". كان ذلك بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي طوال يوم أمس ساخطة، معتبرة أن ما حدث استهتارا مترديا بكرامة المواطن واحتقار مزر له. لقد ضج الجميع (موالون ومعارضون) بما تعرضوا له من تعطيل مضر وسفيه، من أجل نزوة طارئة لابن الملك.

ما حدث في المساء من تعميم قبيح بعدم الكلام، أشد استهتاراً مما حدث في الصباح من تعطيل. رغبة السلطة ومن ورائها الملك، أن يُتكتّم على السخط العام الذي عمّ الشارع، كي لا يصل إلى نجله المحبب إلى قلبه، فيفسد عليه شيء من فرحته بلعبته. المواطن الذي تضرر، ليس له الحق حتى في نقل تبرمه وشكواه إلى الصحافة، وليس له الحق في التعبير عن سخطه واعتراضه، وليس من حق الصحافة أن تنتقذ: لا ليس من حقك أن تتنفس، أنت عبدنا وخادم عائلتنا، حياتك وحريتك وحركتك مرهونة بنا لا بك.

هل هذا كل شيء؟

سباق الترايثلون، كان مجرد مظهر لحقيقة حياة البحرينيين، حقيقة مفادها: أن كل شيء رهن مزاج أفراد، مزاج شخص واحد فقط يحبه الملك. سباق كشف حجم خضوع وزارة الداخلية وكل أجهزتها، لإملاءات العائلة الحاكمة، وليس خضوعًا لدستور أو قانون، أو حتى قرارات حكومة...

لا نحب ناصر لأننا لا نحب الجلادين، ولهذا الفتى الأحمق قصة يجب أن تقال، نعم إنه يشبه أبناء القذافي، وأبناء صدام حسين، وأبناء حسني مبارك، لكن لجنونه سبباً يجب أن يعرف، إن كل هذا الانتفاخ والجنون وحبه ليكون الأول في كل شيء، عائد إلى عقدته من أخيه الأكبر سلمان الذي سيحكم البلاد بعد أن يطوي الموت صفحة والدهما حمد..

بحث ناصر عن كل شيء يجعل والده مقتنعاً أنه أفضل أولاده، جسّد كل أماني أبيه، أحب والده الفروسية، فصار ناصر فارساً تُصرف لناديه من ميزانية الدولة سنوياً 12 مليون دينار. أحب الملك الشعر النبطي، فاستأجر ناصر الشعراء وأولهم خاله من قبيلة «العَجْمِي» الذي توفي منذ زمن ليس ببعيد، ونشر ناصر القصائد النبطية، وناظر والده شعراً، وأقام الفعاليات الشعرية حتى أضحت صالة جامعة البحرين مرتعاً له ولصبيته..

أحب الملك ألعاب القوة، فصار ناصر بطلاً رياضياً في الكارتيه والجودو والهيجن موسول (فن قتالي كوري، فن قتالي دفاعي بالطريقة الدائرية)، وَوسم كل ذلك بالمركز الأول له، حتى صارت معجزات الأول في كل شيء أضحوكة في فم المواطنين على مختلف انتماءاتهم..

أحب الملك أكثر ما أحبّ، الجيش والمناصب العسكرية والأوسمة والنياشين، وها هو ناصر رئيساً لقسم كبير من الجيش اسمه: الحرس الملكي، أصبح هذا القسم يكبر كل يوم بشكل مخيف، وصار اسم ناصر يتردد في الجيش بقوة..

عُقدته مع الأخ الأكبر سلمان، جعلته لا يغيب عن الإعلام، كل يوم بطولة، قصة، قصيدة، صورة، يوم يصبح فيه ناصر مُطعمًا الأيتام، ويوم آخر منقذاً للبلاد، ويوم آخر فارس وحصان، ويوم شاعر وصولجان، ويوم متحدث رسمي في فعالية شبابية، يلتف الميكروفون حول رأسه قريباً من فمه، يتطاول للحديث بما يروّج له على أنه عمق وحكمة، لكن طول التصفيق من قبل الجماهير المنافقة، لا تجعله يغادر سطحيته أبداً..

يعرف البحرينيون ناصر جيداً، لأن سياط هذا الفتى ألهبت ظهور رجال لم تنجب مثلهم عائلته التي تتحكم في البلاد، أرسلهم ناصر وأبوه وعائلتهما إلى سجن جو، هناك حيث معقل الرجولة، وباب الحرية التي تدقه أيدي آلاف السجناء..

«يوم الترايثلون»، هو يوم تجلّي الحقيقة ناصعة، ها قد وصل ناصر على ظهر ناقة جدّه أحمد الفاتح عندما جاء البحرين غازياً بالسيف والقوة، العقلية البدوية نفسها فكراً وممارسة ونطقاً أيضاً، لكنه يأتي بقصة شعر غربية حديثة وفق آخر صيحات الموضة، ويلبس نظارات عريضة من أرقى دور الماركات العالمية، ويبرز جسده بـ(تي شيرت) قطني ضيق وشورت لاصق.

يركض لوحده في شوارع أخلاها الجنود بالقوة، يصل إلى نهاية السباق، يجلس ليرتاح تحت شاب غربي، تأتيه الكاميرا فيتصنّع، ها هو ناصر البدوي اللهجة يظهر من كهفه القديم، ينفض عن نفسه غبار الصحراء، ينفث من منخريه ورئتيه بعض الهواء، ليقول: أعتذر لمن تعطلوا هذا اليوم، ثم يشكر الناس الذين يزعم أنهم اصطفوا أثناء السباق لتحيته والتصفيق له وتشجيعه!

إنه لم يكن يشكرهم بقدر ما كان يبصق على كرامتهم.
رایکم
آخرالاخبار