۱۰۲۹مشاهدات
رمز الخبر: ۲۱۰۸۷
تأريخ النشر: 06 September 2014
شبكة تابناك الاخبارية: تبدع الأنظمة العربية بابتكار السياسات. تفوقت على العالم بخلق وإيجاد التفافات قانونية تضيفها إلى تاريخها العقابي تجاه شعوبها. آخر هذه الإبداعات تجلى بخطوة إسقاط الجنسية عن مواطنيها لغاية الخلود في الحكم وكمّ الأفواه.

مؤخراً، وقع الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة قانوناً لتعديل بعض أحكام قانون الجنسية البحرينية للعام 1963، المنوط به تنظيم أسباب وإجراءات سحب الجنسية، حيث تم وضع عبارة «التسبب في الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفاً يناقض واجب الولاء لها» ضمن البنود الموجبة لسحب الجنسية من المواطنين البحرينيين.

خلف أكمة هذا التعديل ما خلفها. فالعقاب هنا خرج من دائرة «الخيانة العظمى»، ليصبح سياسة عقابية لكل من تسول له نفسه معارضة الحكم، كوسيلة للضغط على الناشطين والمعارضين البحرينيين الثائرين ضد سياسات هذا النظام منذ ثلاثة أعوام ونصف العام.

هذا التطور الخطير يؤكد انحدار مستوى الأنظمة في ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات. وفي هذا السياق، يفند رئيس «منتدى البحرين لحقوق الإنسان» يوسف ربيع هذا القرار، قائلاً، في حديث إلى «السفير» إن «إسقاط الجنسية مخالف أولاً للقانون المحلي البحريني في العام 1963، الذي يشدد على عدم تجريد المواطنين من الجنسية إلا في حالة الخيانة العظمى وبأمر من الملك». والخيانة العظمى تعني تعامل المواطن مع دولة أخرى للإضرار بمصالح بلده أو الدخول في مصاف القيام بأعمال عدائية، وهذا غير متوفر في هذه الحالة.

ويضيف ربيع أن «القرار مخالف أيضاً، للقانون الدولي، إذ أن البحرين دخلت في معاهدات دولية عدة، أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص المادة 15 منه على عدم حرمان المواطنين من الجنسية تعسفاً»، مشيراً بالتالي إلى أن «حكومة البحرين خالفت هذين القانونين ولا يحق لها اتخاذ هكذا قرار».

والواضح أن الحكومة البحرينية تستخدم إسقاط الجنسية كأداة عقابية، أولاً ضد المعارضين السياسيين والحقوقيين وأصحاب الرأي المخالف. ولكن استخدام هذه العقوبة يأتي «غليظاً»، أي أن القضاء البحريني عندما يصدر أحكاماً بالسجن بحق معارضين لمدد تتراوح بين خمس سنوات و15 سنة مثلاً، يأتي قرار إسقاط الجنسية إضافياً وملحقاً.

وإذ يؤكد ربيع ما سبق، يشير إلى أن «في هذا الجانب هناك 42 مواطناً بحرينياً من سياسيين ونواب وأكاديميين وعامة في الداخل الخارج أسقطت عنهم الجنسية»، متسائلاً: «هل هي مصادفة أن يكونوا جميعهم من الطائفة نفسها؟».

ولكن أخطر ما في الموضوع، أنه في مقابل إسقاط الجنسية البحرينية عن المواطنين الأصليين، يتم منح الجنسية لآخرين من خارج البحرين، وهو تجنيس على أساس طائفي وغير قانوني.

وينص القانون البحريني على أن تمنح الجنسية لغير البحرينيين العرب بعد قضائهم ما لا يقل عن 15 عاماً على أراضي الدولة، أما بالنسبة للأجانب غير العرب فالمدة تكون 20 عاماً على الأقل مع اتقان اللغة العربية. وهنا، بحسب رئيس «منتدى البحرين» تقوم الحكومة بخرق القانون عبر منحها الجنسية للأجانب في مدة قصيرة تكون في بعض الأحيان يوماً واحداً.

وفي الحديث عن التجنيس الطائفي في البحرين ثمة إشكاليات عدة، من أهمها الإشكال السياسي والحقوقي، وهذا العمل الخطير يرقى إلى الجريمة، حيث أن العائلة الحاكمة لم تتفاعل مع السكان الأصليين كشركاء للوطن، إنما كان التعامل مبنياً على «عقيدة الاستعلاء والتفاضل» من جهة، و«عقيدة الغنيمة والاستحواذ» من جهة أخرى. وقد كان لهذا الفعل تبعات وتداعيات على التكوين السياسي للدولة وهو ما فتح الباب بعد ذلك خصوصا في الثلاثين سنة الأخيرة إلى مخطط التجنيس الطائفي.

والتجنيس الطائفي هو إعطاء الجنسية لجماعات أجنبية من مذهب معين بهدف إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد. وأكثر الجنسيات التي يتم إعطاؤها من الدول العربية هي الأردنية والسورية والعراقية واليمنية والسعودية، ومن غير العرب الباكستاني والبلوشستاني والبنغالي والهندي.

وهذا العمل بحسب الدراسات الإستراتيجية يوصف الاستهداف الديموغرافي، أي التركيبة السكانية للمواطنين الأصليين، وهو مخالف للقانون الدولي كونه يحوي استهدافاً متعمداً لمجموعة من السكان أو مجموعة إنسانية، كما يخالف القانون المحلي لقانون الجنسية الصادر في العام 1963.

ولا توجد إحصاءات دقيقة ومعروفة على اعتبار أن الحكومة في البحرين تتكتم على إحصائيات المجنسين وأعدادهم، وهي في الحقيقة أرقام مخيفة قياساً بالواقع المشاهد والمعاش. والمتوفر حالياً هي إحصائيات توردها الجمعيات السياسية المعارضة عن عدد المجنسين تجنيساً طائفياً أو كما تسميه «التجنيس السياسي»، وتتراوح الأعداد ما بين 95 إلى 120 ألف مجنس.

غياب الأعداد الحقيقية من المجنسين، تقابله معلومات صادرة عن السجل السكاني في البحرين، وهي جهة رسمية تفيد بأن عدد سكان البحرين في العام 2027 سيصل إلى مليوني نسمة، وهي زيادة غير طبيعية قياساً لعدد السكان الأصليين ونسبة المواليد.

من جهة أخرى، يشكل التجنيس الطائفي تعدياً حقيقياً على حقوق السكان الأصليين، فهو ينسف التوازنات الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة في المجتمع ويمكن الإشارة إلى عدد من مظاهر التعديات: تهديد الحق السياسي للمواطنين الأصليين، وتهديد الحق الاقتصادي للمواطنين (فرص العمل والوظائف)، بالإضافة إلى تهديد الحق الاجتماعي والتعليمي للمواطنين (الصحة والتعليم والإسكان).

لذلك، يشير العاملون في مجال القانون الدولي، إلى أنه بإمكان البحرينيين مقاضاة السلطات البحرينية في المحاكم الدولية، كون التجنيس الطائفي مخالفا للاتفاقية الدولية لإزالة وقمع جريمة الأبارتهايد الصادرة في العام 1973، بالإضافة إلى أن التجنيس ينم عن إيقاع أضرار جسيمة مادية ومعنوية بالسكان الأصليين قد تصل إلى احتمال ارتكاب «جريمة الإبادة».

الأمر ذاته ينطبق على وضع إسقاط الجنسية، فثمة دعوات يتدارسها سياسيون وحقوقيون لمقاضاة حكومة البحرين في المحاكم الدولية، لما يشكله الأمر من تهديد وخطر كبير على الهوية الأصلية.

ويتخوف العديد من المراقبين من أن يصبح موضوع المواطنة والهوية لشعوب الخليج الفارسي عامة رهن القرارات السياسية، وقد شهدت الإمارات عدة حالات إسقاط جنسية لمواطنين بسبب آرائهم وانتماءاتهم السياسية. وفي السعودية هناك قرار يقضي بإسقاط الجنسية عن الشخص إذا ثبت عدم ولائه للمملكة أو مخالفته للأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بالإضافة إلى القرار الكويتي الأخير القاضي بإسقاط الجنسية عن معارضين، وصولاً إلى قطر التي قامت في العام 2005 بإسقاط جنسية أكثر من خمسة آلاف من رعاياها لانتمائهم القبلي غير الموالي للحكم.

قبل أيام، عندما باشرت السلطات البحرينية بنزع الجنسية البحرينية وصفة المواطن عن الأشخاص المستهدفين، وضعتهم الحكومة أمام خيارات ثلاثة، البحث عن كفيل للبقاء على الأراضي البحرينية، أو السجن، أو النفي على اعتبارهم مخالفين لقانون الإقامة.

وعلى سبيل الحرقة، سخر أحدهم من طلب الحكومة قائلاً إنه «غداً إذا ما أسقطت عني الجنسية البحرينية سيكفلني باكستاني مجنّس!».

النهاية
رایکم