۲۴۴۰مشاهدات
رمز الخبر: ۱۳۵
تأريخ النشر: 03 August 2010
تعدّ كتب الرحلات من مصادر التاريخ والآثار والمجتمع التي تضيف الكثير من المعلومات والأحداث، وتقدم وصفا للأماكن والشخصيّات، وهي انطباعات شخصيّة وواقعيّة عن الجوانب الاجتماعيّة والحضاريّة للمناطق التي تشملها.

ثمة دوافع متعّددة للرحلات أو كتابة أدبها، منها ما هو بدافع السفر وأهمّيته، أو بدافع التجارة، ومنها ما هو لطلب العلم واللقاء بالمشايخ، كما أنّ من الرحالة من اتّخذ أدب الرحلة لكتابة سيرة حياته وحياة مشايخه وعصره، أو بدوافع تجاريّة. أمّا الدافع الديني فكان من الدوافع الهامّة أيضا التي دفعت الكثير من المسلمين لتسجيل رحلاتهم إلى الأمكان المقدّسة وعلى رأسها (مكّة المكرّمة)، فقد كان الحجّ إلى مكّة عاملاً مساعدا لكثير من هؤلاء الحجاج المسلمين ـ ومنهم من بلاد فارس ـ ليقوموا بوصف طريقهم إلى الأماكن المقدسّة وكلّ ما شاهدوه .

وكان الحجّ من أعظم بواعث الرحلات، نظرا إلى أن الآلاف من المسلمين يتجهون كلّ عام صوب الحجاز والحرمين الشريفين، لتأدية فريضة الحجّ وزيارة قبر النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وكان بعض الحجّاج يكتبون عن الطرق التي سلكوها والمدن والمنازل التي نزلوا فيها، أو الأحداث التي شاهدوها لكي ينتفع بها الآخرون ويهتدوا.

قيمة أدب الرحلات وفائدته
أدب الرحلات هو النثر الأدبي الذي يتّخذ من الرحلة موضوعا. وبمعنى آخر: عندما تكتب الرحلة بشكل أدبي نثري متميّز وفي قالب لغة خاصّة، ومن خلال تصوّر فنّي له ملامحه وسماته المستقلّة، فإنّ فنّ الكتابة هذا يعدّ واحدا من الفنون الأدبيّة.

وتصوّر كتب الرحلات الحقيقة حينا، فيما ترتفع إلى عالم الخيال أو التصوّرات المختلقة حينا آخر، إلاّ أنّ الغالب منها ما يلتزم الحقيقة المجرّدة، بل إنّ مساحة الخيال في أدب الرحلات قليلة جدّا، لأنّه يعتمد في الأساس على الواقع من ناس، وآثار، وأماكن، ومعلومات، وطعام، وشراب، وأزياء، وأخلاق وغير ذلك، ممّا يسمح للكاتب بإطلاق خياله أحيانا في التغيير والتعديل أو وصف الأشياء بما ليست عليه، ممّا يدفعه للابتعاد عن الحقيقة بعض الشيء وإن اقترب ـ غالبا ـ من الواقع.

وتضمّ كتب الرحلات كثيرا من المعلومات والمعارف الجغرافيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة والاقتصاديّة في أزمنة مختلفة، وهي ـ من هنا ـ تشكّل مادّة غنيّة للجغرافيين والمؤرخين، وكذلك علماء الاجتماع والاقتصاديّين ودارسي الأدب وغيرهم .

ومن فوائد أدب الرحلات، القيمة التعليميّة التي يختزنها، فهي ـ كتب الرحلات ـ تثقّف القارئ وتثري فكره ومعلوماته عن منطقة مّا أو مجتمع مّا، وذلك حين تصوّر ملامح حضارة المنطقة في عصر محدّد، حضارةً تكوّن مصدر ثقافة ذلك المجتمع .

وبالرغم من وسائل البحث والتدوين الحديثة في قراءة وكتابة التاريخ الإجتماعي لبلد أو لمرحلة تاريخيّة والتي جعلتنا على معرفة أوسع وأدقّ بهذا البلد أو تلك المرحلة من خلال اعتماد السجلات المدنية وأحكام القضاء ودوائر العقارات والمدونات الأخرى، إلاّ أنّها ـ هذه الوسائل ـ رغم أهمّيتها غير كافية، فقد يحصل تعسف أيضا في كتابتها أو تحليلها أو قراءتها، والسبب في ذلك غياب الشاهد الإنساني، ذلك الإنسان الذي عاش تلك الأحداث مرحلة بمرحلة، وعانى منها أو استلذّ بها، وليس هذا المصدر الذي يتمتّع بمثل هذا الشاهد إلاّ كتب الرحلات التي تركها لنا الأقدمون من أمراء وسياسيّين ورجال دين أو تجّار.

والرحلة ـ بوصفها مادةً تجري في زمن محدّد من قبل الراوي ـ تُستعرض كأحداث وقعت في الماضي وفي أمكنة معيّنة، لذلك يرتبط فعلها بالمكان والزمان، ولا يمكن الفصل بين زمان الرحلة ومكانها.

كان الرحالة المسلمون قديما مثل ناصر خسرو وابن حوقل والمقدسي والمسعودي وابن بطوطة قد غلب على أدبهم الطابع القصصي، فكانوا يستندون إلى الحقيقة والواقع أحيانا، ويميلون للخيال والتحليل أحيانا أخرى، فيما تحفل كتبهم من جهة ثالثة بالقصص والمعلومات والشعر للمتعة.

الهدف من هذا البحث
ثمة دوافع متعّددة للرحلات أو كتابة أدبها، منها ما هو بدافع السفر وأهمّيته، أو بدافع التجارة، ومنها ما هو لطلب العلم واللقاء بالمشايخ لا نقصد من هذا البحث دراسة الأدب الجغرافي العربي أو الفارسي بشكل معمّق، فقد كتب في ذلك المستشرق الروسي كراتشكوفسكي(1) والدكتور زكي محمّدحسن(2) وآخرون دراسات تستحقّ المراجعة. وإنّما نقصد إلى عرض نماذج من أدب الرحلات التي كتبها رحالة وحجاج من بلاد فارس قصدوا الحرمين الشريفين في فترات مختلفة وكتبوا عن رحلاتهم باللغة الفارسيّة، خصوصا في القرون الأخيرة (12 ـ 15هجري).

أنواع الرحلات الفارسيّة
لم يشكل أدب الرحلات كمّا واسعا عند الإيرانيين، فخلال أكثر من ألف عام لم تخلف المكتبة الفارسيّة إلاّ اليسير في هذا المجال، فأوّل إشارة لرحلة الحجّ بالفارسيّة كانت في سفرنامه ناصرخسرو (427 هجری)، بل وتعتبر الأولى من نوعها حتّى بالنسبة إلى العربيّة إذ سبقت ابن جبير وابن بطوطة (725 هجری)، وهناك رحلة أيضا تعود للقرن الثامن الهجري كتبها أبوالأشرف محمّد اليزدي (762 هجری) تحت عنوان رسالة الحجازيّة (طبع طهران)، وهي تقرير مبعوث حكومة آل‏جلاير إلى مكّة والمدينة لنقل مشاكل الحجّاج في تلك الفترة، إلاّ أنّ نتاج أدب الرحلات عند حجّاج إيران وباللغة الفارسيّة ازداد في القرنين الأخيرين ازديادا ملحوظا.

لم يكن نتاج أدب الرحلات الفارسيّة كبيرا، فلم نعثر على مخطوطات في هذا المضمار إلاّ حوالي (60) مادّة، ولم يطبع منها إلاّ حوالي (20)، حيث بدأت جهود حديثة لتحقيق بعض هذه المخطوطات وطباعتها على يد: السيّد رسول جعفريان والسيّد علي قاضي عسكر وآخرين.

ويمكن تقسيم رحلات الإيرانيين إلى الجزيرة العربيّة والأماكن المقدسّة إلى ثلاث دورات:
الدورة الأولى: أدب الرحلات الجغرافيّة الأولى [التي كتبت بعضها بالعربيّة [ككتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة (القرن 3 هجری)، والأعلاق النفيسة لابن رستة (ق 4 هجري)، والاصطخري (القرن 4 هجري) مؤلّف مسالك الممالك، ورحلة ناصرخسرو القادياني المروزي (قرن 5) والتي سجل فيها رحلته للشام ومصر والجزيرة العربيّة(3)، والقزويني (القرن 7 هجری) مؤلّف كتاب آثار البلاد وأخبار العباد.

الدورة الثانية: القرن 12ـ 13هجري، وهي الفترة التي ظهرت فيها رحلات الأوروبيين والمستشرقين، وقد تأثّر الإيرانيّون بهذه الكتب فبدأوا بتدوين رحلاتهم إلى خارج البلاد ومنها إلى مكّة، وأكثر أدب الرحلات الفارسيّة المخطوطة يعود لهذه الفترة.

ازدادت كتب الرحلات في العصر القاجاري في القرن 12ـ13 الهجري بسبب رواج كتب الرحلات الأوروبيّة حول الشرق، وبالرغم من أنّ كتب الرحلات الإسلاميّة والعربيّة لها سابقة طويلة، إلاّ أنّ الأسلوب الجديد لكتابة رحلات الأوروبيين والمستشرقين كان مؤثّرا وباعثا على اهتمام الإيرانيين بكتابة رحلاتهم من بلاد فارس باتّجاه الأراضي العثمانيّة والأوروبيّة والشام ومصر والحجاز.

ومن أشهر كتب الرحلات إلى الحجاز ومكّة المكرّمة في هذه الفترة رحلة فرهاد ميرزا، ونايب الصدر، ومخبر السلطنة، وحاج علي خان اعتماد السلطنة، وميرزا داود وزير الوظايف، ورحلة محمّد ولي ميرزا، وحسام السلطنة(4).

الدورة الثالثة: الرحلات المعاصرة (القرن 14ـ15هجري) إلى مكّة، فقد ظهرت مجموعة من الرحلات في القرن الأخير كرحلة جلال آل‏أحمد، والدكتور علي شريعتي وغيرهم، وهي رحلات يغلب عليها الطابع الفكري والنظري في تفسير فلسفة الحجّ وتأثيراتها المعنويّة أكثر ممّا تتطرق إلى ذكر المعلومات الجغرافيّة أو الاجتماعيّة .

تقويم الرحلات الفارسيّة
وإذا كان أدب الرحلات عند الغربيين يغلب عليه الطابع السردي والوصفي والتقريري عن الأماكن فقط ، فإنّ أدب الرحلات الإيرانيّة ـ كأدب الرحلات العربيّة عموما ـ يعتبر نوعا من الفن القصصي إلى جانب ما فيه من المادّة الواقعيّة، فالتنوّع في العرض، وغنى المادة، والبساطة في السرد، والجمع بين الواقع والخيال، حوّل هذا الأدب إلى مادة مليئة بالمتعة والمرجعيّة أيضا.

تتميز الرحلات عادة بالوصف وتتحول الكتابة إلى استعراض وإعادة استرجاع لما شاهده الواصف، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأنّها تنقل إلينا صورا محايدة، لأن الخيال والنظر يمكن أن يدخل في نسيجها ويؤثر على الحقيقة التاريخيّة، وذلك لما للعواطف والانفعالات من تأثير على كتابات أصحابها ومواقفهم، ومع ذلك يمكن اعتبار الرحلات وثيقة صادقة ودقيقة يستطيع أن يستفيد منها المؤرخون والأدباء والجغرافيون وعلماء الاجتماع على حدٍّ سواء.

لقد كانت أغلب هذه الرحلات ـ بالإضافة إلى هدفها الأوّل ألا وهو زيارة الأماكن المقدسة ، وتأدية فريضة الحج، وزيارة قبر الرسول وأئمّة المسلمين ـ منبعا للمتعة واللذة والخروج من المشاكل والمآزق الحياتية، وكما يقول المثل : (لذة العيش في التنقل)، أو كما يقول الشاعر: (فسافر ففي الأسفار سبع فوائد).

ويغلب على أكثر الرحلات الإيرانيّة وصف المدن التي زاروها وشعبها وطرقها الصحراويّة وملامح الحياة البدوية، نظرا إلى أنهم وردوا من بلادٍ تختلف طبيعتها الجغرافية عن مناطقهم وتختلف طرق الحياة فيها عن طريقتهم.

ويقترب أدب الرحلات عند الإيرانيين ـ كغيرهم من الرحالين العرب ـ من أدب‏السيرة الذاتية، ذلك أن‏العنصر الشخصي والانطباع الذاتي والتعبير عن الثقافة العامة المعاصرة من سمات أدب الرحلات. لذلك نستطيع ـ بالإضافة إلى استخراج المعلومات عن البلاد التي وصفوها ـ معرفة مسيرة حياة كاتب الرحلة أيضا.

ويبقى الاختلاف واضحا بين كاتب وآخر، فبعض الرحّالة الإيرانيين كانوا كتابا قبل أن يكتبوا رحلاتهم فظهرت كتاباتهم في غاية الأدب والنتاج الفنّي. ومنهم من كلّف آخرين بالكتابة عن رحلاته، وهناك من كتب بشكل ضعيف. حتّى أنّ الشعراء منهم كتب رحلته شعرا.

رحلات علماء الدين وكتّاب الدولة وكتّاب الدواوين كانت بأقلامهم، ولكن رحلات الرسميين والوزراء كانت تملى على كتابهم، ولذلك فإنّ أغلب هذه الرحلات كتب بخطّ فارسي جميل، ومن هنا يعتبر من المخطوطات الفنّية النادرة أيضا. والملاحظ أنّ أغلب الرحلات اتخذت طابع الوصف اليومي، ومنطقة بمنطقة ومشهد بمشهد.

نماذج من الرحلات وطرق السفر
كانت‏الرحلات تقع عبرعدّة ‏طرق، فمثلاً رحلة حسام‏السلطنة‏عام 1297 هجري (5) كانت عبر شمال إيران بدءا من طهران، مرورا بقزوين، بحر قزوين، آذربايجان، البحر الأسود، اسطنبول، بحر مرمره، البحر الأبيض المتوسط ، قناة السويس، البحر الأحمر، إلى جدّة، وبعد زيارة الحرمين الشريفين، كان الرجوع عبر شمال الحجاز، بيت المقدس، الشام، البحر المتوسط ، الأراضي العثمانيّة ثمّ إيران.

أمّا رحلة ميرزا داود وزير الوظائف(6) (عام 1322 هجری) فتبدأ من خراسان، ثمّ عشق آباد، باتّجاه بحرقزوين، ثمّ بحرا إلى آذربايجان فالأراضي العثمانيّة، مرورا بالبحر الأسود واسطنبول ثمّ البحر المتوسط ، ثمّ قناة السويس والبحر الأحمر فجدّة ومكّة المكرّمة. أمّا الرجوع برّا فكان عبر شمال الحجاز فالشام ثمّ شرقا إلى العراق لزيارة العتبات وكربلاء ثمّ باتّجاه كرمانشاه (غرب إيران) وقم والريّ ثمّ نيشابور وخراسان.

أمّا رحلة اعتماد السلطنة(7)، فكانت الحركة فيها من طهران باتجاه غرب إيران، ثمّ بغداد، ثمّ خطّ الشام ثمّ الأردن والحجاز، ثمّ الرجوع عبر الشام وشمال العراق وأخيرا إلى شمال إيران.

أمّا رحلة ميرسيّد أحمد هدايتي (عام 1338هجری) والتي طالت سنة كاملة، فكانت عبر غرب إيران، طهران، قزوين، نهاوند، كرمانشاه باتجّاه العراق وبعد زيارة بغداد وكربلاء باتّجاه البصرة، ومن البصرة بحرا عبر الخليج مرورا بكراجي وبمبي ثمّ البحر العربي باتّجاه جدّة، والرجوع عبر نفس المسار(8).

المخطوطات في أدب الرحلات الفارسيّة
هناك أكثر من ستّين مخطوطة حول الرحلات إلى مكّة، ولا زالت أكثر هذه المخطوطات محفوظة في المكتبات الإيرانيّة ، وهناك حركة جديدة لطباعتها بعد التحقيق، فقد قام الشيخ رسول جعفريان بتحقيق و طباعة مجموعة منها(9) وكذلك السيّد علي قاضي عسكر الذي بدأ بتحقيق سلسلة أخرى من هذه المخطوطات وطباعة بعض منها(10)، ويقتَرَح على منظمة الحجّ الإيرانيّة وكذلك وزارة الحجّ السعودي الاهتمام والسعي لإحياء هذه المخطوطات وطباعتها. (11)
________________________________________
(1) اغناطيوس كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة صلاح‏الدين عثمان، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987.
(2) زكي محمّدحسن، الرحالة المسلمون في العصور الوسطى، دار الرائد العربي، بيروت ـ 1981.
(3) أنظر نقد هذه الرحلة ومدى واقعيّة معلوماتها عن شرق الجزيرة العربيّة في مجلة الواحة، العدد19، (بيروت ـ 2000م).
(4) شخصيّات سياسيّة من العهد القاجاري في إيران.
(5) سفرنامه مكّه، حسام السلطنة، طبعة طهران 1995، تحقيق: رسول جعفريان.
(6) سفرنامه ميرزا داود وزير وظايف، طهران 1422هجري، تحقيق: قاضي عسكر.
(7) سفرنامه حاج على‏خان اعتماد السلطنة، طهران 1423هجري.
(8) داستان باريافتگان [قصّة ضيوف الرحمان، رحلة هدايتي]، سيّد أحمد هدايتي، نشر مشعر، 1419هجري.
(9) قام رسول جعفريان بتحقيق ونشر: سفرنامه مكّه حسام السلطنة، وسفرنامه مكّه محمّد وليميرزا، وسفرنامه منظوم حج، التي نظمت شعرا من العهد الصفوي، وتاريخ كعبة للدماوندي.
(10) نشر السيّد قاضي عسكر حتّى الآن مخطوطتين عن أدب الرحلات: سفرنامه حاج عليخان اعتماد السلطند (عام 2000) وسفرنامه ميرزا داود وزير وظايف (عام 2000).
(11) تم حذف فقرة (قائمة المخطوطات الفارسيّة في أدب الرحلات الإيرانيّة إلى مكّة المكرّمة) من هذه المقالة للاختصار.

* کاتب و باحث في شئون الإیرانية
SADIQEBADI@YAHOO.COM
رایکم
آخرالاخبار