۴۹۷مشاهدات
أما بشأن وضعهم القانوني، فيكشف المشيخص قائلاً: «وضعهم القانوني سيئ جداً، فهم لم يعرضوا للمحاكمة، ولم يُسمح لهم بتوكيل محامين، كما تم اعتقالهم من دون تهمة واضحة، حتى أن أهاليهم كانوا يسألون لفترات طويلة من غيابهم في السجون عن سبب اعتقالهم ولم يفصح عن السبب إلا بعد سنوات».
رمز الخبر: ۱۱۲۷۶
تأريخ النشر: 19 January 2013
شبکة تابناک الأخبارية: في حزيران / يونيو العام 1996، استهدف تفجير في مدينة الخُبر السعودية عمارات سكنية وقتل تسعة عشر أميركياً بينما أصيب قرابة ثلاثمائة وخمسين شخصاً. ومع ذلك التفجير ضاع 17 عاماً من عمر تسعة ممن اتهموا بالتنفيذ والتخطيط وحيازة الأسلحة المتعلقة بهذا الانفجار.

منذ ذلك الوقت وحتى اليوم يقبعون وراء القضبان، من دون محاكمات أو حقوق قانونية تسمح لهم بالتعرف على التهم الموجهة لهم أو بالدفاع عن أنفسهم. تعرضوا للإساءة والتعذيب ومرّ الزمن من دون أن يطلق سراحهم، فأسماهم الأهالي «المنسيين».

كان عبد الله الجرّاش، وهو من المعتقلين، معلماً في العشرينات من عمره وله من الأطفال ولد عمره عامين ونصف العام وابنة تبلغ شهورا من العمر، عندما أحاط رجال المباحث المدرسة التي يعمل فيها في العام 1996 واقتادوه لمكان مجهول. «بقينا عامين ونصف العام لا نعرف عنه شيئاً رغم مراجعتنا لكل مراكز الشرطة والمديريات الأمنية، ولم نتلقَّ جوابا»، تروي زوجته أم مرتضى لـ «السفير».

تقول، وغصة تطغى على صوتهاك «خطبني وتزوجنا عندما كان طالبا في الجامعة، ورزقنا بأول أبنائنا وهو لا يزال طالبا. وعندما تخرّج توظف في مدرسة بعيدة عنا، في منطقة حفر الباطن، فكنت لا أكاد أراه، عندها رزقت بابنتي. وعندما تم نقله ليعمل في الدمام، لم يبق في المنزل إلا عدة أشهر قبل أن يأخذوه... لم أعش معه إلا القليل».

وعن سبب اعتقاله، تجيب أم مرتضى: «تم اعتقاله على خلفية انفجار الخُبر، ولكن التهم الموجهة له باطلة، كما انه لم يحاكم حتى اليوم، ونحن نطالب بالإفراج الفوري عنه، ليعود إلى بيته وأطفاله».

بعد سنوات عدة، تم نقل عبد الله الجرّاش إلى سجن الدمام، وسُمح له بزيارات شهرية لمدة ساعة، فيما يسمح له باتصال مدته ربع ساعة كل أسبوعين. ومنذ عامين فقط أصبح الاتصال مسموحاً كل أسبوع، ويسمح له بالخلوة الشرعية مع زوجته، التي أنجبت ابناً ثالثاً بعد سبع سنوات من اعتقاله.

تواصل أم مرتضى شارحة: «كان من الصعب عليّ أن أعيش من دونه، مررت بلحظات صعبة لا يعلم بها إلا الله، وكلما كبر الأبناء، كبرت معهم احتياجاتهم، ولولا أهلي وأهله الذين وقفوا معي لما استطعت اكمال المشوار، ولكنني صبرت بانتظار اليوم الذي سيتم الإفراج فيه عنه».

تزوج الابن الأكبر الذي لم يعش مع أبيه إلا أشهر قليلة، وكذلك البنت، في ليلة واحدة، «تمنيت أن يكون والده أول الحاضرين، وكان من الصعب علي وعلى أبنائي أن نعيش هذه المناسبة من دون أن يكون والدهم متواجداً»، بحسب زوجة الجرّاش التي تتحسّر قائلة: «هو موجود دائما بيننا، ويتابع كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ويتحمس لأخبارنا، بعيد بالجسد، ونتمنى أن يكون بيننا في أقرب فرصة».

أما مرتضى عبد الله الجرّاش الذي تحول إلى رب منزل وهو في سن صغير، فيقول: «منذ اعتقال والدي منذ أكثر من 17 عاما، ولا أخبار عن محاكمة له، أو حتى التهمة الموجهة له».

يطالب مرتضى بالإفراج الفوري عن والده، وعن جميع المعتقلين من الطائفتين وعلى رأسهم رجال الدين، «الناس خرجت للشارع لتطالب بالإفراج عن المعتقلين، ولن يهدأ الحراك إلى أن تُحلّ هذه القضية».

قصة كل واحد من «المنسيين» التسعة لها شجونها على المستوى الاجتماعي والإنساني والحقوقي. تختلف خلفياتهم وظروفهم، لكنهم يتشاركون ظروف الاعتقال الصعبة والاختفاء لفترات طويلة، كما تعرضهم للتعذيب «حسب ذويهم» وعدم عرضهم على قضاء مستقل أو صدور أحكام بحقهم.

فاطمة يوسف آل سليمان، زوجة المعتقل فاضل سعيد العلوي الذي يقضي سنته الثامنة عشرة في السجن، تخبر «السفير» قصتها قائلة: «يقبع زوجي وراء القضبان منذ 18 عاما من دون محاكمة ولا تهمة، ومصيره مجهول».

اختارت فاطمة أن تتزوج فاضل وهو في السجن منذ ما يقارب الست سنوات.» تزوجته لأنه إنسان ملتزم ومؤمن بقضيته، كما انه كان محبوباً جدا في مدينتنا قبل أن يعتقل في سن العشرين، وكان ناشطا اجتماعيا يحبه الجميع»، تسرّ فاطمة.

شاركت في الاعتصامات التي نظمها أهالي المنسيين أمام دوائر الشرطة والإمارات، وحملت لافتة مكتوبا عليها: «من حقي معرفة مصير زوجي» إلا أنها اعتُقلت جراء ذلك لمدة يوم وتم أخذ تعهدات منها بعدم القيام بذلك مجددا قبل ان أطلق سراحها.

بقي فاضل العلوي في سجن الرياض تسع سنوات، وهو في سجن الدمام منذ تسع سنوات أخرى.

تأمل فاطمة بأن يفرج عن فاضل وتعيش معه حياة زوجية طبيعية، وأن ينال الحق في نهاية المطاف، حسب تعبيرها. وهي تؤكد بأن لا تراجع عن مطلب الإفراج الذي فجّر مرحلة جديدة من الحراك في المنطقة الشرقية في السعودية منذ شباط/فبراير من العام 2011، حيث خرج الناس في تظاهرات وسقط عدد من القتلى نتيجة استخدام الشرطة الرصاص الحي في مواجهة هذه التظاهرات، أحدهم أبن أخت فاطمة آل سليمان.

حالات هؤلاء التسعة المنسيين، وغيرهم من المعتقلين، هي محل رصد من قبل «مركز العدالة لحقوق الإنسان». عنهم يتحدث مسؤول الرصد والتوثيق أحمد المشيخص قائلاً: «تم القبض على المعتقلين التسعة من بين مجموعة كبيرة من المعتقلين تحت عنوان عريض بأنهم متهمون بانفجار الخبر... تختلف التهم ما بين التنفيذ والتخطيط وحيازة الأسلحة، إلا أنهم بقوا في السجن منذ العام 1996 إلى اليوم من دون محاكمة. أفرج عن عدد كبير منهم، وبقي التسعة «المنسيون»».

ومن خلال متابعات المركز، كما يشرح المشيخص، تم عرض القضية على المسؤولين والأمراء الذين تمت زيارتهم والمطالبة بالإفراج عنهم إذا كانوا أبرياء أو قضوا فترة حكمهم، أو محاكمتهم إذا كانوا مذنبين «إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن»، ويضيف: «في إحدى الزيارات لأمير المنطقة الشرقية الأسبق الأمير محمد بن فهد طرحت عليه شخصيا قضية المنسيين المعتقلين، فأخبرني بأن هؤلاء محكومون بالإعدام وقد تم تخفيف الحكم عنهم، ولكنه لم يوضح ما هو الحكم».

أما بشأن وضعهم القانوني، فيكشف المشيخص قائلاً: «وضعهم القانوني سيئ جداً، فهم لم يعرضوا للمحاكمة، ولم يُسمح لهم بتوكيل محامين، كما تم اعتقالهم من دون تهمة واضحة، حتى أن أهاليهم كانوا يسألون لفترات طويلة من غيابهم في السجون عن سبب اعتقالهم ولم يفصح عن السبب إلا بعد سنوات».

ويرى المشيخص أن قضية المنسيين هي السبب الرئيسي والشرارة التي سبّبت الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة الشرقية منذ عامين، مشيراً إلى أن «الشعار الأول والأبرز في الحراك هو المطالبة بالإفراج عن التسعة المنسيين المعتقلين الذين بقوا في السجون لسنوات طويلة، مع العلم أن إطلاق سراح هؤلاء سيساهم في تخفيف حدة الاحتقان السياسي، خصوصاً أن هناك تعاطفا كبيرا من قبل الأهالي معهم جعل عشرات الآلاف يخرجون في تظاهرات مطالبة أولا بالإفراج عنهم بالإضافة لمطالب أخرى».
رایکم